
{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك
صفحة رقم 275
يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم} قوله تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ الآية: يعني يسألك أصحابك يا محمد عن الخمر والميسر وشربها، وهذه أول آية نزلت فيها. والخمر كل ما خامر العقل فستره وغطى عليه، من قولهم خَمَّرتُ الإناء إذا غطيته، ويقال هو في خُمار الناس وغمارهم يراد به دخل في عُرضهم فاستتر بهم، ومن ذلك أُخذ خمار المرأة لأنه يسترها، ومنه قيل هو يمشي لك الخمر أي مستخفياً، قال العجاج:
(في لامع العِقْبان لا يأتي الخَمَرْ | يُوجّهُ الأرضَ ويستاق الشّجَرْ) |
(فبت كأنني يَسَرٌ غبينٌ | يقلب بعدما اختلع القداحا) |
(تحيي بالسلامة أم بكرٍ | وهل لي بعد قومي من سلام) |
(ذريني اصطبحْ بكراَ فإني | رأيت الموت نبّث عن هشام) |
(ووديني المغيرة لو فدوه | بألف من رجال أو سوام) |
(وكائن بالطَويَّ طويَّ بدرٍ | من الشيزي تُكَلّلُ بالسنامَ) |
(وكائن بالطَويَّ طويَّ بدر | من الفتيان والحلل الكرامِ) |

ناس من أصحاب رسول الله ﷺ فيهم رجل من الأنصار، فسوى لهم رأس بعير ثم دعاهم إليه، فلما أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث فتكلم سعد بشيء فغضب الأنصاري فرفع لحى البعير وكسر أنف سعد، فأنزل الله تعالى نسخ الخمر وتحريمها، فقال تعالى: ﴿يَا أَيَّهَا الَّذِينَءَآمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيِسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأزْلاَمُ﴾ [المائدة: ٩٠] إلى قوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ﴾. قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ: إِصْلاَحٌ لَهُم خَيرٌ﴾ قال المفسرون: لمّا نزلت سورة بني إسرائيل، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَّلتِي هيَ أَحْسَنُ﴾، وفي سورة النساء: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً﴾ تحرج المسلمون أن يخلطوا طعامهم بطعام من يكون عندهم من الأيتام، وكانوا يعزلون طعامهم هم طعامهم، وشرابهم عن شرابهم، حتى ربما فسد طعامهم، فشق ذلك عليهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنَّ تُخَالِطوهُم فَإِخْوَانَكُم﴾، يعني في الطعام، والشراب، والمساكنة، وركوب الدابة، واستخدام العبد قال الشعبي: فمن خالط يتيماً، فليوسع عليه، ومن خالط بأكل فلا يفعل. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ قال ابن زيد: الله يعلم حين تخلط مالك بماله، أتريد أن تصلح ماله أو تفسد ماله بغير حق. ﴿وَلَو شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُم﴾ فيه تأويلان: أحدهما: لَشدّد عليكم، وهو قول السدي. والثاني: لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً، وهو قول ابن عباس. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ يعني عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات، حكيم فيما صنع من تدبيره وتركه الإعنات.
صفحة رقم 280