
وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ... (٢١٧)
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «عن قتال فِيهِ» فخفضته على نية (عن) مضمرة.
قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ففي الصد وجهان: إن شئت جعلته مردودا على الكبير، تريد: قل القتال فِيهِ كبير وصد عن سبيل اللَّه وكفر به.
وإن شئت جعلت الصد كبيرا تريد: قل القتال فِيهِ كبير وكبير الصد عن سبيل اللَّه والكفر به.
وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ مخفوض بقوله «١» : يسألونك عن القتال وعن المسجد.
فقال الله تبارك وتعالى: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ أهل المسجد مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ من القتال فِي الشهر الحرام. ثُمَّ فسر فقال تبارك وتعالى: وَالْفِتْنَةُ- يريد الشرك- أشد من القتال فِيهِ.
وقوله: قُلِ الْعَفْوَ... (٢١٩)
وجه الكلام فِيهِ النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] «٢» نسخته الزكاة [تقول: قد عفا] «٣».
وقوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى... (٢٢٠)
يقال للغلام يتم ييتم يتمًا ويتمًا. قال: وحكى لى يتم ييتم.
وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ترفع الإخوان على الضمير «٤» (فهم) كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله
(٢، ٣) زيادة فى أ، والأنسب وصلها بقوله: وهو فضل المال. [.....]
(٤) فى أ: «ضمير».

«فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ» «١» ولو نصبت هاهنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم) «٢». وفي قراءة عَبْد اللَّه «إِن تعذبهم فعبادُكَ» وفي قراءتنا «فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ» «٣».
وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فِيهِ «هُوَ» مع المرفوع. فإذا لم يحسن فِيهِ «هُوَ» أجريته على ما قبله فقلت: إن اشتريت طعاما فجيدا، أي فاشتر الجيد، وإن لبست ثيابا فالبياض، تنصب لأن «هو» لا يحسن هاهنا، والمعنى فى هذين هاهنا مخالف للأول ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كل ما يلبس بياضا، ولا كل ما يشترى جيدا. فإن نويت أن ما ولى شراءه فجيد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض.
وكذلك قول اللَّه «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا» «٤» نصب لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فِيهِ «هُوَ» ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما فصلوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجالة] «٥» فنصبا لانهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ المعنى فِي مثله من الكلام: اللَّه يعلم أيهم يفسد وأيهم يصلح. فلو وضعت أيا أو من مكان الأوّل «٦» رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعة، قال [الفراء] «٧» سمعت العرب تقول: ما يعرف أىّ من أىّ. وذلك أن (أىّ) و (من) استفهامان، والمفسد خبر. ومثله ما أبالي قيامك أو قعودك، ولو جعلت فِي الكلام استفهاما بطل الفعل عَنْهُ فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به.
(٢) جواب لو محذوف تقديره: كان صوابا.
(٣) آية ١١٨ سورة المائدة.
(٤) آية ٢٣٩ سورة البقرة.
(٥) زيادة فى أ.
(٦) يريد بالأوّل الذي يلى مادة العلم.
(٧) زيادة فى أ.

وقوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ... (٢٢٠)
يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته اللَّه إعناتا.
وقوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ... (٢٢١)
يريد: لا تزوجوا. والقراء على هذا. ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي لا تروّجوهن المسلمين كان صوابا. ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.
وقوله: وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ... (٢٢١)
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان فِي المعنى. ولذلك جاز أن يجازى «١» لو بجواب إن، وإن بجواب لو فِي قوله: «وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ» «٢». وقوله: «فَرَأَوْهُ» يعنى بالهاء الزّرع.
وقوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ... (٢٢٢)
بالياء. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه إن شاء اللَّه «يتطهرن» بالتاء، والقراء بعد يقرءون «حتى يطهرن، ويطهرن» [يطهرن] «٣» : ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن:
يغتسلن بالماء. وهو أحب الوجهين إلينا: يطهرن.
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ولم يقل: فِي حيث، وهو الفرج. وإنما قال:
من حيث كما تقول للرجل: ايْت زيدا من مأتاه أي من الوجه الَّذِي يؤتى منه.
فلو ظهر الفرج ولم يكن عَنْهُ قلت فِي الكلام: ايْت المرأة فِي فرجها. فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يقال: ايت الفرج من حيث شئت.
(٢) آية ٥١ سورة الروم.
(٣) زيادة يقتضيها للسياق.

وقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ... (٢٢٣)
[أي] «١» كيف شئتم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ مَيْمُونِ «٢» بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ وَرَائِهَا فِي قُبُلِهَا خَرَجَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَتْ يَهُودُ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يقول: ايت الْفَرْجَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ «٣».
وقوله: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا... (٢٢٤)
يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ يقول: لا يمتنعن أحدكم أن يبر ليمين إنّ حلف عليها، ولكن ليكفر يمينه ويات الذي هو خير.
وقوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ... (٢٢٥)
فِيهِ قولان. يقال: هُوَ «٤» مما جرى فِي الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله.
والقول الآخر: الإيمَان أربع. فيمينان فيهما الكفارة والاستغفار، وهو قولك:
والله لا أفعل، ثُمَّ تفعل، وو الله لافعلن ثُمَّ لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل] «٥». واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو إذ لم تكن فيهما كفارة. وكان القول الأول- وهو قول عَائِشَةَ: إن اللغو ما يجرى فِي الكلام على غير عقد- أشبه بكلام العرب.
(٢) فى أ: «منصور» والصواب ما أثبت تبعا لما فى ش.
وميمون بن مهران الرقىّ يروى عن ابن عباس وأبى هريرة، ماتت سنة ١١٧. وانظر الخلاصة.
(٣) الظاهر أن هذا نهاية كلام ابن عباس. [.....]
(٤) فى ش: «وهو».
(٥) زيادة فى ش.