آيات من القرآن الكريم

۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

جَحْشٍ، وَيُقَالُ: بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ، قَالَ ابْنُ هشام: هي لعبد الله بن جحش: [الطويل]

تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمُ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ وَكُفْرٌ بِهِ وَاللَّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللَّهِ أَهْلَهُ لِئَلَّا يُرَى لِلَّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ
فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ
دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا يُنَازِعُهُ غلّ من القدّ عائد «١»
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٩ الى ٢٢٠]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لما أنزل تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ التِي في البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ. اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي النِّسَاءِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ نادى: أن لا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي الْمَائِدَةِ، فَدَعِي عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟ قال عمر: انتهينا انتهينا.
هكذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ، عَنْ عمر وليس له عنه سواه، لكن قد قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَاللَّهُ أعلم. وقال علي بن المديني: هذا إسناد صالح صحيح، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ انْتَهَيْنَا، إِنَّهَا تُذْهِبُ الْمَالَ وَتُذْهِبُ الْعَقْلَ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَعَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عِنْدَ قوله في سورة المائدة
(١) الأبيات في سيرة ابن هشام ١/ ٦٠٥- ٦٠٦.
(٢) مسند أحمد (ج ١ ص ٥٣).

صفحة رقم 433

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: ٩٠]، فقوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ أَمَّا الْخَمْرُ، فَكَمَا قَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: إِنَّهُ كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَكَذَا الْمَيْسِرُ وَهُوَ الْقِمَارُ.
وَقَوْلُهُ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ أَمَّا إِثْمُهُمَا فَهُوَ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَدُنْيَوِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهَا نَفْعَ الْبَدَنِ وَتَهْضِيمَ الطَّعَامِ وَإِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ وَتَشْحِيذَ بَعْضِ الْأَذْهَانِ وَلَذَّةَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ التِي فِيهَا، كَمَا قال حسان بن ثابت في جاهليته: [الوافر]

ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا لا ينهنهنا اللَّقَاءُ «١»
وَكَذَا بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهَا، وَمَا كَانَ يُقَمِّشُهُ «٢» بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَيْسِرِ فَيُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ لَا تُوَازِي مَضَرَّتُهُ وَمَفْسَدَتُهُ الرَّاجِحَةُ، لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَلِهَذَا قال الله تعالى: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُمَهِّدَةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْبَتَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ مُصَرِّحَةً بَلْ مُعَرِّضَةً، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قُرِئَتْ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، حَتَّى نَزَلَ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِهَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: ٩٠- ٩١] ويأتي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم: إن هذه أول آية نزلت في الخمر يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ، ثُمَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، ثم نزلت الآية التي في المائدة فحرمت الخمر.
قوله وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ مُتَّجِهٌ قَرِيبٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ الله، إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ وَقَالَ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابن عباس وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قَالَ: مَا يَفْضُلُ عن أهلك، كذا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ والحسن وَقَتَادَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ قُلِ الْعَفْوَ يَعْنِي الْفَضْلَ، وَعَنْ طَاوُسٍ: الْيَسِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنِ الرَّبِيعِ أَيْضًا: أَفْضَلُ مَالِكَ وَأَطْيَبُهُ وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْفَضْلِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بن خليفة، عن عوف، عن الحسن، في الآية يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
(١) البيت لحسان في ديوانه ص ٤ والكامل ١/ ٧٤ والطبري ٢/ ٣٧٢.
(٢) أي يجمعه من هاهنا وهاهنا.

صفحة رقم 434

قَالَ، ذَلِكَ أَلَّا تُجْهِدَ مَالِكَ ثُمَّ تَقْعُدُ تَسْأَلُ النَّاسَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ» قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ» قَالَ: عِنْدِي آخَرُ: قَالَ «أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ» قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ «فَأَنْتَ أَبْصَرُ» وقد رواه مسلم في صحيحه وأخرجه مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضُلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». وَعِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولَ» وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلِ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» ثُمَّ قَدْ قِيلَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، كَمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ، وَقِيلَ مُبَيَّنَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَوْجُهُ.
وَقَوْلُهُ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أَيْ كَمَا فَصَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ وَبَيَّنَهَا وَأَوْضَحَهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمْ سَائِرَ الْآيَاتِ فِي أَحْكَامِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الصَّعْقِ الْعَيْشِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْبَقَرَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قَالَ: هِيَ وَاللَّهِ لِمَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا لِيَعْلَمَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ ثُمَّ دَارُ فَنَاءٍ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ ثُمَّ دَارُ بَقَاءٍ، وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: لِتَعْلَمُوا فَضْلَ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قتادة: فآثروا الآخرة على الأولى.
وقوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النِّسَاءِ: ١٠] انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ الشَّيْءُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ. وهكذا رواه أبو داود

(١) تفسير الطبري ٢/ ٣٧٨. [.....]
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٩٨٢.

صفحة رقم 435
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية