آيات من القرآن الكريم

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٢ الى ١١٣]

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣)
الإعراب:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) الواو استئنافية وضرب الله مثلا فعل وفاعل ومفعول به وقرية بدل من مثلا أي جعل القرية الموسومة بهذه السمات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا، وجملة كانت صفة لقرية وكان واسمها المستتر وآمنة خبرها ومطمئنة خبر ثان وجملة يأتيها خبر ثالث وهو فعل مضارع ومفعول به مقدم ورزقها فاعل مؤخر ورغدا وصف للمصدر أي اتيانا رغدا فهو مفعول مطلق أو بمعنى راغدا فهو حال ومن كل مكان متعلقان بيأتيها. (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) الفاء عاطفة وكفرت فعل ماض والفاعل مستتر يعود على القرية وبأنعم الله متعلقان بكفرت فأذاقها الفاء عاطفة للتعقيب وأذاقها فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ولباس الجوع والخوف مفعول ثان والباء حرف جر للسببية وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي بسبب صنعهم أو بسبب الذي كانوا يصنعونه. (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ) الواو عاطفة واللام

صفحة رقم 375

موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وجاءهم رسول فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ومنهم صفة لرسول فكذبوه الفاء حرف عطف وكذبوه فعل ماض وفاعل ومفعول به. (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) فأخذهم عطف على فكذبوه والعذاب فاعل والواو حالية وهم مبتدأ وظالمون خبر والجملة حالية.
البلاغة:
في قوله تعالى «وضرب الله مثلا قرية» مجاز مرسل واستعارتان مكنيتان، أما المجاز المرسل ففي قوله قرية والمراد أهلها فعلاقة المجاز المحلية إذ أطلق المحل وأريد الحال وأما الاستعارة الأولى فهي استعارة الذوق للباس فأما الإذاقة فقد كادت تجري عند العرب مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا فيقولون ذاق فلان البؤس والضرر شبّه ما يدرك منهما من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المرّ البشع وأما اللباس فقد صح التشبيه به لأنه يشتمل على لابسه وأما الاستعارة الثانية فهي استعارة اللباس للجوع والخوف كأنما قد أحاط بهم واشتمل عليهم كما يشتمل اللباس على لابسه، وبناء الاستعارة على الاستعارة ميدان فسيح تضل فيه الأفكار وقد ينغلق فهمه كما انغلق على ابن سنان الخفاجي في نقده للآمدي حين تناول بيت امرئ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل
فقد قال الآمدي في كتاب الموازنة «وقد عاب امرأ القيس بهذا المعنى من لم يعرف موضوعات المعاني ولا المجازات وهو في غاية الحسن والجودة والصحة وهو إنما قصد وصف أجزاء الليل الطويل فذكر

صفحة رقم 376

امتداد وسطه وتثاقل صدره للذهاب والانبعاث وترادف اعجازه وأواخره شيئا فشيئا وهذا عندي منتظم لجميع نعوت الليل الطويل على هيئته وذلك أشد ما يكون على من يراعيه ويترقب تصرمه فلما جعل له وسطا يمتد وأعجازا رادفة للوسط وصدرا متثاقلا في نهوضه حسن أن يستعير للوسط اسم الصلب وجعله متمطيا من أجل امتداده لأن تمطّى وتمدّد بمنزلة واحدة وصلح أن يستعير للصدر اسم الكلكل من أجل نهوضه وهذه أقرب الاستعارات من الحقيقة وأشد للاءمته هنا لما استعيرت له وكذلك قول زهير:
وعرّي أفراس الصبا ورواحله
لما كان من شأن ذي الصّبا أن يوصف أبدا بأن يقال: ركب جواده وجرى في ميدانه، وجمح في عنانه، ونحو هذا، حسن أن يستعار للصبا اسم الأفراس وأن يجعل النزوع عنه أن تعرى أفراسه ورواحله وكانت هذه الاستعارة أيضا من أليق شيء بما استعيرت له».
وقال ابن سنان الخفاجي في كتابه «سر الفصاحة» : حول قول امرئ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل
«إن هذا الذي ذكره الآمدي ليس بمرضي غاية الرضا وإن بيت امرئ القيس ليس من الاستعارة الجيدة ولا الرديئة بل هو وسط فإن الآمدي قد أفصح بأن امرأ القيس لما جعل لليل وسطا ممتدا استعار له اسم الصلب وجعل متمطيا من أجل امتداده وحيث جعل له أولا وآخرا استعار له عجزا وكلكلا وهذا كله إنما يحسن بعضه مع بعض فذكر

صفحة رقم 377
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية