آيات من القرآن الكريم

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) ﴾
﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُ نَفْسٍ تُجَادِلُ﴾ تُخَاصِمُ وَتَحْتَجُّ، ﴿عَنْ نَفْسِهَا﴾ بِمَا أَسْلَفَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، مُشْتَغِلًا بِهَا لَا تَتَفَرَّغُ إِلَى غَيْرِهَا، ﴿وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
رُوِيَ أَنْ عُمَرَ بْنَ الخطاب قال ٢٠٣/ألِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: خَوِّفْنَا، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ وَافَيْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ عَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَأَتَتْ عَلَيْكَ سَاعَاتٌ وَأَنْتَ لَا تُهِمُّكَ إِلَّا نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ مُنْتَخَبٌ، إِلَّا وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي، وَإِنَّ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا" (١).
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: مَا تَزَالُ الْخُصُومَةُ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تُخَاصِمَ الرُّوحُ الْجَسَدَ، فَتَقُولُ الرُّوحُ: يَا رَبِّ، لَمْ يَكُنْ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلٌ أَمْشِي بِهَا، وَلَا عَيْنٌ أُبْصِرُ بِهَا. وَيَقُولُ الْجَسَدُ: خَلَقْتَنِي كَالْخَشَبِ لَيْسَتْ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلٌ أَمْشِي بِهَا، وَلَا عَيْنٌ أُبْصِرُ بِهَا، فَجَاءَ هَذَا كَشُعَاعِ النُّورِ، فَبِهِ نَطَقَ لِسَانِي، وَأَبْصَرَتْ عَيْنِي، وَمَشَتْ رِجْلِي. فَيَضْرِبُ اللَّهُ لَهُمَا مَثَلًا أَعْمَى وَمُقْعَدٌ، دَخَلَا حَائِطًا فِيهِ ثِمَارٌ، فَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ الثَّمَرَ، وَالْمُقْعَدُ لَا يَنَالُهُ، فَحَمْلَ الْأَعْمَى الْمُقْعَدَ فَأَصَابَا مِنَ الثَّمَرِ فَعَلَيْهِمَا الْعَذَابُ (٢). قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً﴾ يَعْنِي: مَكَّةَ، كَانَتْ آمِنَةً، لَا يُهَاجُ أَهْلُهَا وَلَا يُغَارُ عَلَيْهَا، ﴿مُطْمَئِنَّةً﴾ قَارَّةً بِأَهْلِهَا، لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الِانْتِقَالِ لِلِانْتِجَاعِ كَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَائِرُ الْعَرَبِ، ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ يُحْمَلُ إِلَيْهَا مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ نَظِيرُهُ: "يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" (الْقَصَصِ-٥٧).

(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور: (٥ / ١٧٣) لابن المبارك، وابن أبي شيبة، وأحمد في "الزهد" وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب الأحبار. وانظر: زاد المسير: ٤ / ٤٩٩، روح المعاني: ١٤ / ٢٤٠-٢٤١.
(٢) قال الآلوسي: (١٤ / ٢٤١) :"والظاهر هو عدم صحة هذا الخبر عن الحبر -ابن عباس- وهو أجل من أن يحمل المجادلة في الآية على ما ذكر. والحق أنه ليس فيه إلا الدلالة على عدم الاهتمام. وقال ابن عطية: (٨ / ٥٢٥)، وظاهر الآية: أن كل نفس تجادل، مؤمنة كانت أو كافرة، فإذا جادل الكفار بكذبهم وجحدهم الكفر شهدت عليهم الجوارح والرسل وغير ذلك بحسب الطوائف، فحينئذ لا ينطقون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون" (المرسلات-٣٦) فتجتمع آيات القرآن باختلاف المواطن. وقالت فرقة: قول كل أحد من الأنبياء وغيرهم: نفسي، نفسي، وهذا ليس بجدال ولا احتجاج، وإنما هو مجرد رغبة".

صفحة رقم 48
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية