
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنة﴾ الْآيَة. أَكثر أهل التَّفْسِير: أَن الْقرْيَة هَا هُنَا هِيَ مَكَّة - وَقَوله: ﴿يَأْتِيهَا رزقها رغدا من كل مَكَان﴾ هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وارزقهم من الثمرات﴾.
وَقَوله: ﴿فكفرت بأنعم الله﴾ الأنعم: جمع النِّعْمَة. وَقَوله: ﴿فأذاقها الله لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف﴾ ذكر الذَّوْق، لِأَن المُرَاد من لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف التعذيب، ويستقيم أَن يُقَال فِي التعذيب: ذُقْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم﴾.
وَالْمعْنَى: أَن الْعَذَاب يَتَجَدَّد إِدْرَاكه كل سَاعَة كالذوق.
رُوِيَ أَن الله تَعَالَى سلط عَلَيْهِم الْقَحْط سبع سِنِين حَتَّى أكلُوا (الطَّعَام) الْمُحْتَرِقَة وَالْعِلْهِز، وَهُوَ الْوَبر بِالدَّمِ، حَتَّى كَانَ ينظر أحدهم إِلَى السَّمَاء فَيرى كشبه الدُّخان من الْجُوع ".
﴿وَالْخَوْف﴾ هُوَ الْخَوْف من الْقَتْل، وَمن سَرَايَا النَّبِي.
وَالْمرَاد من الْقرْيَة: أهل الْقرْيَة، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿واسأل الْقرْيَة﴾ وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿آمِنَة﴾ أَي: آمن أَهلهَا، وَكَذَلِكَ مطمئنة.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَنه كل بلد من بلدان الْكفَّار.

﴿يصنعون (١١٢) وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول مِنْهُم فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم الْعَذَاب وهم ظَالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رزقكم الله حَلَال طيبا واشكروا نعمت الله إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ (١١٤) إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَإِن الله غَفُور رَحِيم (١١٥) وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا﴾
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَنَّهَا الْمَدِينَة، وكفران أَهلهَا بأنعم الله هُوَ مَا فعلوا بعد النَّبِي من قتل عُثْمَان، وَمَا يعقبه من الْأُمُور، وَهُوَ قَول ضَعِيف. وَأما ذكر اللبَاس فِي الْآيَة، فَلِأَن من جَاع لحقه من الهزال والشحوب والتغير مَا يزِيد ظَاهره عَمَّا كَانَ من قبل؛ فَجعل ذَلِك كاللباس لجلوده.
وَقَوله: ﴿بِمَا كَانُوا يصنعون﴾ أَي: يكفرون.