آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٧]

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)
هذه الألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: ١٥٦] وخلصت هذه العدة لأمة محمد ﷺ قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما، ويَتَّبِعُونَ معناه في شرعه ودينه، والرَّسُولَ والنَّبِيَّ اسمان لمعنيين فإن الرسول، أخص من النبي هذا في الآدميين لاشتراك الملك في لفظة الرسول، والنَّبِيَّ مأخوذ من النبأ، وقيل لما كان طريقا إلى رحمة الله تعالى وسببا شبه بالنبيء الذي هو الطريق، وأنشدوا:
لأصبح رتما دقاق الحصى مكان النبيء من الكاثب
وأصله الهمز ولكنه خفف كذا قال سيبويه وذلك كتخفيفهم خابية وهي من خبأ، واستعمل تخفيفه حتى قد روي أن رسول الله ﷺ قال: لا تنبروا اسمي، وقدم الرسول اهتماما بمعنى الرسالة عند المخاطبين بالقرآن وإلا فمعنى النبوءة هو المتقدم وكذلك رد رسول الله ﷺ على البراء بن عازب حين قال آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وبنبيك الذي أرسلت» ليترتب الكلام كما ترتب الأمر في نفسه، لأنه نبىء ثم أرسل، وأيضا في العبارة المردودة تكرار الرسالة وهو معنى واحد، و «الأمي» بضم الهمزة قيل نسب إلى أم القرى وهي مكة.
قال القاضي أبو محمد: واللفظة على هذا مختصة بالنبي ﷺ وغير مضمنة معنى عدم الكتابة، وقيل هو منسوب لعدمه الكتابة والحساب إلى الأم، أي هو على حال الصدر عن الأم في عدم الكتابة، وقالت فرقة هو منسوب إلى الأمة، وهذا أيضا مضمن عدم الكتابة لأن الأمة بجملتها غير كاتبة حتى تحدث فيها الكتابة كسائر الصنائع، وقرأ بعض القراء فيما ذكر أبو حاتم «الأمي» بفتح الهمزة وهو منسوب إلى الأم وهو القصد، أي لأن هذا النبي مقصد للناس وموضع أم يؤمونه بأفعالهم وتشرعهم، قال ابن جني:
وتحتمل هذه القراءة أن يريد الأمي فغير تغيير النسب.
والضمير في قوله: يَجِدُونَهُ لبني إسرائيل والهاء منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد صفته ونعته.
وروي أن الله عز وجل قال لموسى قل لبني إسرائيل أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا وأجعل السكينة معكم في بيوتكم وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهر قلوبكم، فأخبر موسى بني إسرائيل فقالوا: إنما نريد أن نصلي في الكنائس وأن تكون السكينة كما كانت في التابوت وأن لا نقرأ التوراة إلا نظرا، فقيل لهم فنكتبها للذين يتقون يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي عن عبد الله بن عمر، وفي البخاري أو غيره أن في التوراة من صفة محمد ﷺ «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي

صفحة رقم 462

بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا». وفي البخاري «فنفتح به عيونا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا». ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال «قلوبا غلفا وآذانا صموما»، قال الطبري وهي لغة حميرية وقد رويت «غلوفيا وصموميا».
قال القاضي أبو محمد: وأظن هذا وهما وعجمة.
وقوله تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ يحتمل أن يريد ابتداء وصف الله تعالى النبي ﷺ ويحتمل أن يجعله متعلقا ب يَجِدُونَهُ في موضع الحال على تجوز، أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده فالمعنى الأول لا يقتضي أنهم علموا من التوراة أنه يأمرهم وينهاهم ويحل ويحرم، والمعنى الثاني يقتضي ذلك فالمعنى الثاني على هذا ذم لهم، ونحا إلى هذا أبو إسحاق الزجّاج، وقال أبو علي الفارسي في الأغفال يَأْمُرُهُمْ عندي تفسير لما كتب من ذكره كما أن قوله تعالى خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: ٥٩] تفسير للمثل، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في يَجِدُونَهُ لأن الضمير للذكر والاسم، والذكر والاسم لا يأمران.
قال القاضي أبو محمد: وما قدمته من التجوز وشرط الوجود يقرب ما منع منه أبو علي، وانظر، وبِالْمَعْرُوفِ ما عرف الشرع، وكل معروف من جهة المروءة فهو معروف بالشرع، فقد قال ﷺ «بعثت لأتمم محاسن الأخلاق» والْمُنْكَرِ مقابله.
والطَّيِّباتِ قال فيها بعض المفسرين إنها إشارة إلى البحيرة ونحوها، ومذهب مالك رحمه الله أنها المحللات فكأنه وصفها بالطيب إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا، وبحسب هذا يقول في الْخَبائِثَ إنها المحرمات وكذلك قال ابن عباس «الخبائث» هي لحم الخنزير والربا وغيره، وعلى هذا حلل مالك المتقذرات كالحيات والخنافس والعقارب ونحوها، ومذهب الشافعي رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير بل يراها مختصة فيما حلله الشرع، ويرى «الخبائث» لفظا عاما في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى، والناس على هذين القولين إلا أن في تعيين الخبائث اختلافا ليس هذا موضع تقصيه.
وقوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الآية، يَضَعُ كأن قياسه أن يكون «يضع» بكسر الضاد لكن رده حرف الحلق إلى فتح الضاد، قال أبو حاتم وأدغم أبو عمرو «ويضع عنهم» العين في العين وأشمها الرفع وأشبعها أبو جعفر وشيبة ونافع، وطلحة ويذهب عنهم إصرهم، و «الإصر» الثقل وبه فسر هنا قتادة وابن جبير ومجاهد، و «الإصر» أيضا العهد وبه فسر ابن عباس والضحاك والحسن وغيرهم، وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد ﷺ ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، وحكى أبو حاتم عن ابن جبير، قال: «الإصر» شدة العبادة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والناس «إصرهم» وقرأ ابن عامر وحده وأيوب

صفحة رقم 463
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية