
الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي) وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة لهَذِهِ الْأمة، وَذَلِكَ أَن مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - سَأَلَ أَن يكْتب الرَّحْمَة لَهُ ولأمته، فكتبها لأمة مُحَمَّد وَفِي الْأَخْبَار: " أَن مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - قَالَ: يَا رب، إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة أمة يأمرون بِالْمَعْرُوفِ، وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر، ويؤمنون بِاللَّه، فاجعلهم من أمتِي، قَالَ الله - تَعَالَى -: تِلْكَ أمة أَحْمد. فَقَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة أمة صَدَقَاتهمْ فِي بطونهم - يَعْنِي: يأكلها فقراؤهم، وَكَانَت صدقَات قومه وَمن قبلهم تأكلها النَّار - فاجعلهم من أمتِي، فَقَالَ - تَعَالَى -: تِلْكَ أمة احْمَد. فَقَالَ: يَا رب، إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة أمة هم آخر النَّاس خُرُوجًا، وَأول النَّاس فِي الْجنَّة دُخُولا، فاجعلهم من أمتِي. فَقَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد. فَقَالَ: يَا رب، إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة أمة أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ، يراعون الشَّمْس والأوقات لذكرك، فاجعلهم من أمتِي. فَقَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد. فَقَالَ: يَا رب، إِنِّي أجد
صفحة رقم 221
﴿التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم فَالَّذِينَ آمنُوا بِهِ وعزروه ونصروه وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه أُولَئِكَ هم المفلحون (١٥٧) قل يَا أَيهَا﴾ فِي التَّوْرَاة أمة إِذا هم أحدهم بحسنة كتبتها لَهُ حَسَنَة، وَإِن عمل بهَا كتبتها لَهُ عشرا إِلَى سَبْعمِائة ضعف، وَإِذا هم بسيئة لم تَكْتُبهَا (عَلَيْهِ)، فَإِن عمل بهَا كتبتها عَلَيْهِ وَاحِدَة، اجعلهم من أمتِي، فَقَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد. فَألْقى الألواح، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد ". وَهَذَا قَول آخر، ذكر فِي سَبَب إلقائه الألواح، وَالْأول أظهر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي﴾ هُوَ مُحَمَّد وَقد بَينا معنى الْأُمِّي فِيمَا سبق.
﴿الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا﴾ أَي: مَوْصُوفا ﴿عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات﴾ يَعْنِي: مَا حرمه الْكفَّار من السوائب والوصائل والبحائر والحوامي، وَنَحْو ذَلِك ﴿وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث﴾ وَذَلِكَ مثل: الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَنَحْوه ﴿وَيَضَع عَنْهُم إصرهم﴾ الإصر: كل مَا يثقل على الْإِنْسَان من قَول أَو فعل، والإصر: الْعَهْد الثقيل: وإصرهم: أَن الله - تَعَالَى - جعل تَوْبَتهمْ بِقَتْلِهِم أنفسهم ﴿والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم﴾ وَذَلِكَ مثل مَا كَانَ عَلَيْهِم من قرض مَوضِع النَّجَاسَة عَن الثَّوْب بالمقراض، وَلَا يجزئهم غسلهَا، وَأَنه كَانَ لَا تجوز صلَاتهم إِلَّا فِي الْكَنَائِس، وَأَنه لَا يجوز لَهُم أَخذ الدِّيَة عَن الْقَتِيل بل كَانَ يتَعَيَّن الْقصاص، وَكَانَ يجب عَلَيْهِم قطع الْجَوَارِح الْخَاطِئَة لَا يسعهم غير ذَلِك، فسماها أغلالا؛ لِأَنَّهَا كَانَت كالطوق فِي عنقهم.
﴿فَالَّذِينَ آمنُوا بِهِ﴾ أَي: بِمُحَمد ﴿وعزروه﴾ أَي: عظموه {ونصروه وَاتبعُوا

﴿النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا هُوَ يحيي وَيُمِيت فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يُؤمن بِاللَّه وكلماته واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون (١٥٨) وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ (١٥٩) وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة أسباطا أمما وأوحينا إِلَى مُوسَى إِذْ استسقاه قومه أَن اضْرِب بعصاك الْحجر﴾ النُّور الَّذِي أنزل مَعَه) وَهُوَ الْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ هم المفلحون﴾.
صفحة رقم 223