
العقوبة والرحمة إيصال الخير وقدم الاول على الثاني لان دفع المضرة مقدم على تحصيل المنفعة وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم أنت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الأهم بحسب المقام وَاكْتُبْ لَنا اى اثبت وعين لنا وذكر الكتابة لانها أدوم فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً حسن معيشة وتوفيق طاعة وَفِي الْآخِرَةِ اى واكتب لنا فيها ايضا حسنة وهى المثوبة الحسنى او الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود إذا رجع اى تبنا ورجعنا إليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع هاهنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين. قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى الله حتى أحياهم وقد تقدم فى سورة البقرة قالَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال عَذابِي [عذاب من وصفت او آنست كه] أُصِيبُ بِهِ الباء للتعدية معناه بالفارسية [ميرسانم] مَنْ أَشاءُ تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه وَرَحْمَتِي [ورحمت من وصفت او آنست كه] وَسِعَتْ فى الدنيا معناه [رسيده است] كُلَّ شَيْءٍ المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل تحت الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فبها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تخص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى فَسَأَكْتُبُها اى أثبتها وأعينها فى الآخرة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لانها كانت أشق عليهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا جميعا يُؤْمِنُونَ ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشىء منها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أنزلت هذه الآية تطاول لها إبليس فقال انا شىء من الأشياء فاخرجه الله تعالى من ذلك بقوله فَسَأَكْتُبُها إلخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم الله تعالى منها بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فى محل الجر على انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا ﷺ الذي نوحى اليه كتابا مختصا به النَّبِيَّ اى صاحب المعجزة وقال البيضاوي انما سماه رسولا بالاضافة الى الله ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الأولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأولين والآخرين من عير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة.
نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت | بغمزه مسأله آموز صد مدرس شد |

الأصل وعنده أم الكتاب الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً باسمه وصفته عِنْدَهُمْ متعلق يجدون او بمكتوبا وكذا قوله فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اللذين تعبد بهما بنوا إسرائيل سابقا ولا حقا: وفى المثنوى
پيش از انكه نقش احمد رو نمود | نعت او هر كبر را تعويذ بود |
سجده مى كردند كارى رب بشر | در عيان آريش هر چهـ زودتر |
نقش او مى كشت اندر راهشان | در دل ودر كوش در أفواه شان |
اين همه تعظيم وتفخيم ووداد | چون بديدنش بصورت برد باد |
قلب آتش ديد در دم شد سياه | قلب را در قلب كى بودست راه |

عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال أنوار الايمان واسرار التوحيد بالإخلاص والاختصاص واعلم ان المقصود الإلهي من ترتيب سلسلة الأنبياء عليهم السلام هو وجود محمد ﷺ فوجود الأنبياء قبله كالمقدمة لوجوده الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الأنبياء والمرسلين كما قال عليه السلام (فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذي انزل على النبي عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية وأعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد أعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه جامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الأمم السالفة هو هذه الامة المرحومة اعنى امة محمد ﷺ فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهم زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الأقاليم السبعة وأطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هذه الجمعية كون اسم جدهم الأعلى عثمان فان عثمان رضى الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى
الله عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام (والذي بعثني بالحق نبيا كلنا على الحق) قال انا والذي بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله بعد اليوم سرا فاظهر الله الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا أول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذي بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد- حكى- ان عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من أسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الأدب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما أصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط برأسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته الى بلاجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده او رخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الإلهي فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد

بسبب تعظيم كلام الله القديم وكما ان الله تعالى اظهر لطفه للاولين كذلك يظهره للآخرين وان كان فى بعض الأوقات بظهر القهر والجلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال: قال السعدي قدس سره
ز ظلمت مترس اى پسنديده دوست | كه ممكن بود كاب حيوان دروست |
دل از بي مرادى بفكرت مسوز | شب آبستن است اى برادر بروز |

التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ اى تزيغ قلب من تشاء بإصبع صفة القهر وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ اى تقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف أَنْتَ وَلِيُّنا اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا فَاغْفِرْ لَنا ما صدر منا وَارْحَمْنا بنعمة الرؤية التي سألنا كها وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون الذنب ولا يعطون سؤلهم فانت الذي تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص أمته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رجعنا إليك فى طلب هذه الفضيلة بالسر لا بالعلانية وأنت الذي تعلم السر والأخفى وأجابهم الله تعالى سرا بسر وإضمارا بإضمار قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ اى بصفة قهرى آخذ من أشاء وبقراءة من قرأ من أساء اى من أساء فى الأدب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة آخذهم على سوء أدبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ نعمة وإيجادا وتربية فَسَأَكْتُبُها يعنى حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ يعنى الذين هم يؤمنون بانوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الامة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وفيه اشارة الى ان فى أمته من يكون مستعدا لاتباعه فى هذه المقامات الثلاثة وهى مقامات الرسالة والنبوة التي هى مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء والمقام الأمي الذي هو مخصوص به ﷺ من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعنى الأمي انه أم الموجودات واصل المكونات كما قال (أول ما خلق الله روحى) وقال حكاية عن الله (لولاك لما خلقت الكون) فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى اميا كما سميت مكة أم القرى لانها كانت مبدأ القرى وأصلها وكما سمى أم الكتاب اما لانه مبدأ الكتب وأصلها فاما اتباعه فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام (علماء أمتي كانبياء بنى إسرائيل) يشير الى هذا القوم وذلك ان المتقدمين من بنى إسرائيل فى زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام