آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ «١».
قال المشركون: يا محمد لتنتهينّ عن سبّ الهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله تعالى أن يسبوا أوثانهم.
قال قتادة: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم الله عن ذلك كيلا يسبوا الله فإنهم قوم جهلة.
وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة، قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل ولنأمرنّه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فيقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحرث، وأمية وأبي بن أخلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البحتري، إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمدا قد آذانا وآذى الهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر الهتنا ولندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما يريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك» «٢» [١٥٠].
قال: قد أنصف قومك، فاقبل منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم» «٣» [١٥١].
قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشرا أمثالها فما هي؟ قال: قولوا: لا إله إلّا الله، فأبوا واشمأزّوا.

(١) سورة الأنبياء: ٩٨
. (٢) جامع البيان: ٧/ ٤٠٤
. (٣) تفسير الطبري: ٧/ ٤٠٤
.

صفحة رقم 178

وقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي، فإن قومك قد فزعوا منها. فقال: «يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها» «١» [١٥٢].
فقالوا: لتكفّنّ عن شتمك آلهتنا أو لنشتمن من يأمرك. فأنزل الله تعالى وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأوثان فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً.
وقرأ أبو رجاء والحسن وقتادة ويعقوب: عُدُوّا بضم العين والدال وتشديد الواو أي أعداء الله.
بِغَيْرِ عِلْمٍ
فلما نزلت هذه الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه «لا تسبوا ربهم» [١٥٣] فأمسك المسلمون عن سبّ آلهتهم.
وكَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ يعني كما زيّنا لهؤلاء المشركين عبادة الأوثان وطاعة الشيطان، الحرمان والخذلان كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ من الخير والشر والطاعة والمعصية ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ يخبرهم ويجازيهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ.
قال محمد بن كعب القرضي والكلبي: قالت قريش: يا محمد تخبرنا بأن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فتنفجر مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أي شيء تحبون أن آتيكم به؟».
قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل، وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لئن فعلت بعض ما تقولون تصدقوني» [١٥٤] قالوا: نعم والله لئن فعلت نتبعك أجمعين.
وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو الله أن يجعل الصفا ذهبا، فجاء جبرئيل عليه السلام فقال له: إن شئت أصبح ذهبا ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم فإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «بل يتوب تائبهم» «٢»
فأنزل الله تعالى وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يعني أوكد ما قدروا عليه من الإيمان وحدها.
قال الكلبي ومقاتل: إذا حلف الرجل بالله سبحانه فهو جهد بيمينه. لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ كما جاء من قبلهم من أمم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ يا محمد إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وهو القادر على

(١) أسباب النزول للواحدي: ١٤٩
. (٢) تفسير الطبري: ٧/ ٤٠٦، وأسباب النزول للواحدي: ١٥٠
.

صفحة رقم 179

إتيانها دوني ودون كل من خلقه. ثم قال وَما يُشْعِرُكُمْ وما يدريكم فحذف المفعول وما أدريكم، واختلفوا في المخاطبين، بقوله وَما يُشْعِرُكُمْ حسب اختلافهم في قراءة قوله أَنَّها. فقال بعضهم: إن الخطاب للمشركين الذين أقسموا وتمّ الكلام عند قوله وَما يُشْعِرُكُمْ، ثم استأنف، فقال: أَنَّها يعني الآيات إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون.
وقرءوا: إنها بالكسر على الابتداء، وهو في قراءة مجاهد وقتادة وابن محيصن وابن كثير وشبل وأبي عمر والجحدري.
وقال آخرون: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وقرءوا: أَنَّها بالفتح وجعلوا «لا» صلة يعني وما يدريكم يا معشر المؤمنين أَنَّها إِذا جاءَتْ المشركين لا يُؤْمِنُونَ كقوله ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ «١» يعني: أن تسجد، وقوله وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ «٢» يعني إنهم يرجعون. وقيل: معنى إنها: لعلها وكذلك هي قراءة أبيّ، تقول العرب: اذهب إلى السوق إنك تشتري شيئا بمعنى لعلك تمر.
وقال عدي بن زيد:

أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد «٣»
يعنى: لعلّ منيّتي.
وقال دريد بن الصمة:
ذريني أطوف في البلاد لأنّني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا «٤»
يعني: لعلّني.
وقال أبو النجم:
قلت لسينان أدن من لقائه إنا نغدي القوم من سرائه «٥»
أي ثعلبا تغدي.
وقرأ ابن عامر والسدي وحمزة: لا تؤمنون بالتاء على [حساب] الكفار وَما يُشْعِرُكُمْ، واعتبر بقراءة أبيّ: لعلكم إذا جاءكم لا يؤمنون.
(١) سورة الأعراف: ١٢
. (٢) سورة الأنبياء: ٩٥ [.....]
. (٣) لسان العرب: ١٣/ ٣٤
. (٤) معجم ما استعجم: ١/ ٢١٥. وفيه: لعلني ألالقي بائد ثلة من محارب، وراجع تفسير الطبري: ٧/ ٤٠٩
. (٥) تفسير الطبري: ٧/ ٤٠٩
.

صفحة رقم 180

وقرأ الباقون: بالياء على الخبر وتصديقها قراءة الأعمش إنّها إذا جاءتهم لا يؤمنون وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
قال ابن عباس وابن زيد: يعني نحول بينه وبين الإيمان. ولو جئناهم بالآيات التي سألوا ما آمنوا بها كما لم يؤمنوا بالتي قبلها مثل انشقاق القمر وغيره عقوبة لهم على ذلك.
وقيل: كما لم يؤمنوا به في الدنيا قبل مماتهم. نظيره قوله تعالى وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «١» وَنَذَرُهُمْ قرأ أبو رجاء: ويذرهم بالياء. وقرأ النخعي: ويقلب ويذرهم كلاهما بالياء فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ فرأوهم عيانا وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى بإحيائنا إياهم فشهدوا لك بالنبوة كما سألوا وَحَشَرْنا وجمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة وهي قراءة أكثر القراء، قرأ أبو جعفر: التي في الأنعام قبلا بالكسر والتي في الكهف قُبُلًا عيانا بالضم. أبو عمرو بالنصب وكذلك اختار أبو عبيد وأبو حاتم لأنها في قراءة أبيّ قبيلا بجمعها القبل. والتي في الكهف قُبُلًا يعني عيانا.
وقرأ أهل الكوفة: بضم القاف والباء، ولها ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون جمع قبيل وهو الكفيل أي ضمنا وكفلا. والقبالة الكفالة، يقال: قبيل وقبل مثل رغيف ورغف، وقضيب وقضب.
والثاني: جمع قبيل هو القبيلة يعني فوجا فوجا وصنفا صنفا.
والثالث: أن يكون بمعنى المقابلة والمواجهة من قول القائل: أتيتك قبلا لا دبرا إذا أتاه من قبل وجهه ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ذلك لهم. وقيل: الاستثناء لأهل السعادة الذين سبق لهم في علم الله الإيمان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ إن ذلك كذلك وَكَذلِكَ جَعَلْنا يعزي نبيه صلى الله عليه وسلّم يعني كما أتيناك بهؤلاء القوم وكذلك جعلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ قبلك عَدُوًّا أعداء وفسّرهم فقال شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.
عكرمة والضحاك والسدي والكلبي: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس وشياطين الجن التي مع الجن وليس للإنس شياطين.
وذلك أن إبليس قسم جنده فريقين، بعث منهم فريقا إلى الإنس وفريقا إلى الجن، شياطين الإنس والجن فهم ملتقون في كل حين، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجن أضللت صاحبي بكذا فاضل صاحبك بمثله، ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك فذلك يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ.
وقال آخرون: إنّ من الإنس شياطين ومن الجن شياطين، والشيطان: العاتي المتمرّد من كل شيء.

(١) سورة الأنعام: ٢٨
.

صفحة رقم 181

قالوا: إن الشيطان إذا أغوى المؤمن وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمرد من الإنس وهو شيطان من الإنس فأغراه المؤمن.
قال أبو طلحة ما روى عوف بن مالك عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن» «١» [١٥٥] قال: يا رسول الله فهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم هو شر من شياطين الجن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلّا وقد وكّل قرينه من الجن» قيل: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: «ولا أنا إلّا أن الله قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلّا بخير» «٢» [١٥٦].
وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد من شيطان الجن وذلك إني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يحبني فيجرني إلى المعاصي عيانا يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي يلقي زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وهو القول المموّه والمزيّن بالباطل، وكل شيء حسّنته وزينته فقد زخرفته ثم وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغى أي ولكي تميل.
وقال ابن عباس: ترجع يقال: صغى يصغى صغا وصغى يصغى ويصغو صغوا وصغوا إذا مال.
قال الفطامي:

أصغت إليه هجائن بحدودها آذانهن تلى الحداة السوق «٣»
ترى عينها صغواء في جنب ماقها تراقب كفي والقطيع المحرما «٤»
١ إِلَيْهِ يعني إلى الزخرف والغرور، ويقال: صغو فلان معك، وصغاه معك أي ميله وهواه.
وقرأ النجعي: وَلِتُصْغى بضم التاء وكسر الغين أي تميل، والإصغاء الإمالة. ومنه
الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصغي الإناء للهرة.
أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ الأفئدة جمع الفؤاد مثل غراب وأغربة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ أي وليكتسبوا ما هم مكتسبون.
(١) المعجم الكبير: ٨/ ٢١٧، وجامع البيان: ٨/ ٧
. (٢) صحيح ابن حبان: ١٤/ ٣٢٧ وتفسير القرطبي: ٧/ ٦٨
. (٣) الدرّ المنثور: ٣/ ٤٠
. (٤) لسان العرب: ١٤/ ٤٦٢
.

صفحة رقم 182
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية