آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

(وكذلك) أي مثل هذا الجعل (جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن) هذا الكلام استئناف مسوق لتسلية رسول الله - ﷺ - ودفع ما حصل معه من الحزن بعدم إيمانهم، والمعنى كما ابتليناك بهؤلاء فقد ابتلينا الأنبياء من قبلك بقوم من الكفار فجعلنا لكل واحد منهم عدواً من كفار زمنهم وأن ذلك ليس مختصاً بك، والمراد بالشياطين المردة من الفريقين، والشيطان كل عات متمرد من الجن والإنس، وبه قال ابن عباس ومجاهد وقتادة.
قالوا وشياطين الإنس أشد تمرداً من شياطين الجن، وبه قال مالك بن دينار والإضافة بيانية أو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأصل الإنس والجن الشياطين، قال ابن عباس: إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا أضلله بكذا وأضلله بكذا، وعنه قال الجن هم الجان وليسوا شياطين، والشياطين ولد

صفحة رقم 222

إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس، والجن يموتون، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر.
وقال ابن مسعود: الكهنة هم شياطين الإنس، وقيل الكل من ولد إبليس وأضيف الشياطين إلى الإنس على معنى أنهم يغوونهم ويضلونهم، وبهذا قال عكرمة والضحاك والكلبي والسدي.
(يوحي بعضهم إلى بعض) أي حال كونهم يوسوس بعضهم لبعض، وقيل: إن الجملة مستأنفة لبيان حال العدو، وسمي وحياً لأنه إنما يكون خفية بينهم وجعل تمويههم (زخرف القول) لتزيينهم إياه والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه، والزخرف هو الباطل من الكلام الذي قد زين ووشي بالكذب وكل شيء حسن مموه فهو زخرف يغرونهم بذلك (غروراً) هو الباطل.
قال ابن عباس: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، فإن الله يقول (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) ويحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم.
وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - ﷺ -: " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال يا نبي الله وهل للإنس شياطين قال نعم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً " (١).
(ولو شاء ربك ما فعلوه) الضمير يرجع إلى ما ذكر سابقاً من الأمور التي جرت من الكفار في زمنه وزمن الأنبياء قبله أي لو شاء ربك عدم وقوع ما تقدم ذكره ما فعلوه وأوقعوه، وقيل ما فعلوا الإيحاء المدلول عليه بالفعل (فذرهم) أي دع الكفار واتركهم، وهذا الأمر للتهديد كقوله ذرني ومن خلقت وحيداً.
(وما يفترون) إن كانت " ما " مصدرية فالتقدير اتركهم وإفتراءهم وإن كانت موصولة فالتقدير اتركهم والذي يفترونه، وهذا قبل الأمر بالقتال.
_________
(١) النسائي، كتاب الإستعاذة، باب ٤٨ - أحمد بن حنبل ٥/ ١٧٨ - ٢٦٥.

صفحة رقم 223

وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)

صفحة رقم 224
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية