
﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون﴾ قوله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواً﴾ أي جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء. وفي ﴿جَعَلْنَا﴾ وجهان:
صفحة رقم 157
أحدهما: معناه حكمنا بأنهم أعداء. والثاني: معناه تركناهم على العداوة، فلم نمنعهم منها. وفي ﴿شَيَاطِينَ الإْنسِ وَالْجِنِّ﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني شياطين الإنس الذين مع الإنس، وشياطين الجن الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي. والثاني: شياطين الإنس كفارهم، وشياطين الجن كفارهم، قاله مجاهد. والثالث: أن شياطين الإنس والجن مردتهم، قاله الحسن، وقتادة. ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ في يوحي ثلاثة أوجه: أحدها: يعني يوسوس بعضهم بعضاً. والثاني: يشير بعضهم إلى بعض، فعبر عن الإشارة بالوحي كقوله: ﴿فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ [مريم: ١١] و ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ ما زينوه لهم من الشبه في الكفر وارتكاب المعاصي. والثالث: يأمر بعضهم بعضاً كقوله: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت: ١٢] أي أمر. ثم قال: ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: ما فعلوه من الكفر. والثاني: ما فعلوا من زخرف القول. وفي تركهم على ذلك قولان: أحدهما: ابتلاء لهم وتمييزاً للمؤمنين منهم. والثاني: لا يلجئهم إلى الإيمان فيزول التكليف.
صفحة رقم 158
قوله عز وجل: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ﴾ أي تميل إليه قلوبهم، والإصغاء: الميل، قال الشاعر:
(ترى السفيه به عن كل محكمة | زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء) |