آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

وهم أجهل الناس بقدر الله، ومن هنا نعلم أن الطاعة إن جرّت إلى معصية تترك. مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من الكفار سوء أعمالهم، وهكذا سنة الله في خلقه، يستحسنون ما جرت عليه نفوسهم، وما تعودته عن تقليد أو جهل، أو عن معرفة وعناد والله يتركهم وشأنهم، وهو القادر على كل شيء، فالتزين أثر لأعمالهم بدون جبر أو إكراه، وإلا كان الثواب والعقاب وإرسال الرسل عملا لا يصح أن يكون.
وأقسموا ليؤمننّ إذا جاءتهم الآيات التي طلبوها... كذبوا، قل لهم: الآيات عند الله، وهم لا يؤمنون أبدا.
الجزء الثامن
الرد على طلب المشركين الشهادة على الرسالة [سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١١ الى ١١٣]
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)

صفحة رقم 650

المفردات:
وَحَشَرْنا: جمعنا. قُبُلًا: جمع قبيل، كرغيف ورغف، أى: ضمناء وكفلاء، وقيل: قبلا، أى: مواجهة ومقابلة، ومنه قيل: قبل الرجل ودبره، وقرئ قبلا، أى: عيانا ومواجهة. شَياطِينَ قال ابن عباس: كل عات متمرد من الجن والإنس فهو شيطان. يُوحِي الإيحاء: الإعلام مع الخفاء والسرعة كالإيماء، والمراد ما توسوس به الشياطين من الجن والإنس. زُخْرُفَ الزخرف:
الزينة، ومنه سمى الذهب زخرفا، وجعل تمويههم زخرفا لتزيينهم إياه. غُرُوراً:
خداعا باطلا. وَلِتَصْغى صغى إليه: مال، وصغى فلان، وصغوه معك: ميله وهواه. وَلِيَقْتَرِفُوا اقترف المال: اكتسبه، والذنب: اجترحه.
روى عن ابن عباس أنه أتى جماعة من كفار مكة وزعمائها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا:
أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحقّ ما تقول أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، فنزلت الآية.
وهذا تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «١» مع تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم بذكر طبائع الناس وما يلاقيه الأنبياء في دعوتهم.
المعنى:
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة فرأوهم بأعينهم المرة بعد المرة، كما قالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ «٢» ولو كلمهم الموتى بأن نحييهم لهم فيخبروهم بما رأوا من ثواب أو عقاب كما قالوا: فَأْتُوا بِآبائِنا «٣» ولو أننا حشرنا عليهم، وجمعنا لهم من كل شيء من الآيات والدلائل غير الملائكة والموتى معاينة ومواجهة ليكون ذلك دليلا على صدق دعواك، أو جمعنا عليهم كل شيء ضمناء وكفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا.
لو حصل كل هذا لما كان من شأنهم الإيمان، ولا كان استعدادهم يقتضى ذلك، لأنهم ينظرون إلى الآيات نظرة تعنت وعداوة، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون،

(١) سورة الانعام آية ١٠٩. [.....]
(٢) سورة الفرقان آية ٢١.
(٣) سورة الدخان آية ٣٦.

صفحة رقم 651

فلم ينظروا نظرا بريئا للهداية والعبرة حتى يتعظوا ويؤمنوا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً «١» لكن لو شاء الله إيمانهم لآمنوا، ولكنه يتركهم وفطرتهم التي تتنافى مع سلوك طريق الخير والانتفاع بهدى القرآن: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ «٢» مع تبصرتهم وهدايتهم إلى طريق الخير والشر:
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «٣».
ولكن أكثر المشركين يجهلون ذلك، فيقسمون بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية مما اقترحوا ليؤمننّ بها، وما يشعرون بقلوبهم وما انطوت عليه، وبما ختم عليها حتى صارت كأنها في أكنة، وقيل: ولكن أكثر المسلمين يجهلون نفوس الكفار وما هي فيه، فيميلون إلى إنزال الآيات المقترحة علّهم يؤمنون.
وهكذا سنة الله في الخلق. منهم مهتد وكثير منهم فاسقون.
وهكذا سنته مع أنبيائه، جعل لكل منهم أعداء من الجن والإنس- خاصة أولى العزم منهم- ليحظوا بدرجات الصبر والعمل، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الخير جاهدا، والمشركون يدعون إلى ما يعتقدون جهدهم، فمن باب تنازع البقاء لا بد من حصول العداوة والبغضاء، والعاقبة للمتقين إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «٤».
كما جعلنا هؤلاء أعداء لك جعلنا لكل نبي جاء قبلك أعداء، هم شياطين الإنس والجن،
روى أبو ذر- رضى الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عقب صلاة: يا أبا ذر: هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ قال: قلت يا رسول الله: هل للإنس شياطين؟ قال:
نعم وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ «٥».

(١) سورة الأنعام آية ٢٥.
(٢) سورة البقرة آية ٢٥٦.
(٣) سورة البلد آية ١٠.
(٤) سورة غافر آية ٥١.
(٥) سورة البقرة آية ١٤.

صفحة رقم 652
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية