آيات من القرآن الكريم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

والعدوان ما بينه وبين غيره وهو أخص، وعقب ذلك بقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). زجراً عما نهى عنه.
قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)
(الْمَيْتَةُ) هاهنا ما فارقته الروح من غير تذكيه مما له نفس سائله، وقد يقال: ذلك لما ليس له نفس سائله، كقوله عليه الصلاة والسلام: (أحل لنا@ ميتتان ودمان)، (وَالدَّمُ) هاهنا هو

صفحة رقم 261

الدم المسفوح بدلالة قوله (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) فعرَّف في الآية الدم ولحم الخنزير، وإشارة إلى ما ذكره هاهنا.
وتخصيص لحم الخنزير لا يقتضي تحليلَ شحمه وسائر ما فيه لأن ذلك نص على أفضل ما فيه ليدل على ما دونه.
وقال بعض الفقهاء: لا يجوز الانتفاع

صفحة رقم 262

بثمنه، ولا باستعمال شيء منه في غير الأكل والإهلال: التكبير: من قولهم
أهل الصبي كأن الصبي يكبر الله فعلاً، وإن لم يكبِّره قولاً؛ لدلالته على
الآية، كتسبيح الشجر والمدر فعلاً وإن لم يكن تسبيحه قولاً، فحرم ما سُميَّ
عند ذبحه الأصنام، (وَالْمُنْخَنِقَةُ) ما وقع في حلقه ما خنقه حبلاً كان
أو غيره، (وَالْمَوْقُوذَةُ): المقتولة بضرب، يقال: وقذته
ضرباً، ويدخل فيه كل مقتول بغير ذكوه، فأما المرمي من الصيد بما يخرج بحدة فغير داخل في الموقوذة، بدلالة قوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب وخرق فكُل، فإن أصابه بعرض فلا يحل فإنه وقيذه).

صفحة رقم 263

(وَالْمُتَرَدِّيَةُ) الساقطة من سطح أو جبل أو في بئر يُؤَديِّ
سقوطها إلى أذاها.
(وَالنَّطِيحَةُ) المقتولة بالنطاح، ناطحة كانت أو منطوحة.
(وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) مما افترسه سبع فمات.
وقوله: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) راجع إلى المنخنقة وما بعدها.
وإدراك ذكاته هو أن تؤخذ له عين تَطرف أو ذَنَبٌ يُحَّرك.
على ما روي عن أمير المؤمنين، والذكاة:

صفحة رقم 264

بقطع الحلقوم، والمريء ومستحب أن تقطع معهما الوَدَجين،
و (النُّصُبِ) حجر كانوا ينصبونه ويتقربون بالذبائح له، والاستقسام بالأزلام هو ما كانوا يفعلونه في الميسر، كقوله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ).
فإن قيل ذكر (ما) في قوله (ما أهل) (وما ذبح)، وذكر هاهنا (أن تستقسموا) دون (ما)؟
قيل: لأن المحرَّم في الأول نفس المذبوح، والمحرم هاهنا الاستقسام فأما المذبوح على الشريطة المشترطة في الشرع فإنه وإن قسم بالأزلام لا يحرم عينه.
وقيل: الأزلام قداح تكتب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي فإذا أرادوا أمراً

صفحة رقم 265

ضربوا ذلك فاعتبروا ما يخرج منه.
والفسق والفجور: هما الخروج عن أمر الله
فالفسق من قولهم فسقت الرُطَبة من قشرها.
والفجور من فجر الماء،
وقوله: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أي أن لا يحققوا أن لا يمكنهم
أن ينسخوا ما أمرهم من دين الحق.
وقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) قيل: لما كان الإسلام شرع شيئاً منشئاً بيَّن تعالى بهذه الآية كماله، وقيل: إن الأديان الحق كلها جارية مجرى دين واحد وكان قبل الإسلام في الشيء بين إفراط وتفريط بالإضافة إلى شرعيتها، وذلك على حسب ما كان يقتضي حكمة الله في كل زمان فكمَّله الله تعالى بالنبي - ﷺ -، وجعله وسطاً مصوناً
عن الإفراط والتفريط، كما قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)
وكمله وتممه به كما قال عليه الصلاة والسلام: (بُعثت لأُتمم مكارم
الأخلاق).
وقال: (إن مثل الأنبياء كمثل بيت ترك بينه موضعُ لبنة فكنت اللبنة).

صفحة رقم 266

فهذا معنى قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)
وهذا هو الذي اقتضى أن تكون شريعته مؤبدة لا نسخ ولا تغيير، فالأشياء في التغيير والتنقل ما لم تكمل فإذا كملت فتغيرها فساد لها، ولهذا قال: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) ونبه بقوله: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
على أمرين: أحدهما: أن الإسلام هو الدين المرتضى على الإطلاق
لا تبديل له ولا تغيير، وسائر الأديان مثله كان مرتضى في وقت دون
وقت، وعلى وجه دون وجه، والقوم دون قوم، وهذا الدين بعد أن شُرعِ
مرتضًا في كل وقت، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في موسى: (لو كان حيا ما وسعه إلا اتباعي) ولأجل ذلك قال تعالى:

صفحة رقم 267

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) الآية. فقوله تعالى: (اليومَ) إشارة إلى زمان النبي - ﷺ -
أو إشارة إلى اليوم الذي أنزلت هذه السورة. فقد كان في النسىء في زمن
النبي - ﷺ - أيضاً إلى آخر أيامه، فحينئذ كمل وصار بحيث لا تغيير فيه ولا تبديل بنسخ ونسخ.
إن قيل: كمَّل الدين النبي - ﷺ -، وقد حكم تعالى أن دينه هو دين إبراهيم حيث قال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا). قيل: ونبه تعالى أن هذا الدين الذي هو دين إبراهيم من
حيث أنهما داعيان إلى الحق ومشتركان في أصول الشريعة، لكن ما شُرِع على

صفحة رقم 268

لسان إبراهيم كان مبدأ الإسلام، وما شُرِع على لسان محمد - ﷺ - خاتمة الإسلام.
فمن حيث إن هذا مؤيد ناسخ لفروع ما تقدم قال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ومن حيث إنه شارك دين إبراهيم في الأصول صار هو إياه، وهذا ظاهر
لمن عرف قوانين الكلام.
إن قيل: إن ذلك يقتضي أن يكون الأديان كلها
ناقصة، وأن يكون دينه عليه الصلاة والسلام قبل ذلك اليوم ناقصاً.
قيل: الكامل والناقص من الأسماء المتضايفة التي تقال باعتبار بعضها بعض، فالصبي إذا اعتبر بالرجلِ فهو غير كامل، وإذا اعتبر بمن هو على سنه فهو كامل، إذا لم يكن مذموما فكذلك دين الأنبياء قبل النبي - ﷺ - إذا اعتبر بأهل زمانهم كان كاملاً، وإذا اعتبر بدين النبي - ﷺ - وزمانه لم يكن كاملاً وليس النقصان المستعمل هو النقص
المذموم فلفظة ناقص تستعمل على وجهين.
إن قيل: ما وجه فائدة قوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
بعد قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)؟
قيل لما بين تعالى أنه أكمل دينهم بيَّن بعده أن ذلك الدين هو الإسلام
وقد رضيته كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
وقوله: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أضاف النعمة إلى نفسه تشريفاً لها.
وقوله: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) منه أن الخشية في الحقيقة يجب أن تكون ممن
منه مبدأ النفع والضُر دون الوسائط فقد قيل: أعجز الناس من خشي من

صفحة رقم 269
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية