آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ

﴿شَرٌّ مَكَانًا﴾ من المؤمنين (١). قال ابن عباس: "لأن مكانهم سقر" (٢). ولا شر في مكان المؤمنين حتى يقال: اليهود شر مكانًا منهم، ولكن هذا على الإنصاف في الخطاب، والمظاهرة في الحجاج، كأنه مبني على كلام الخصم، وكذلك قوله: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً﴾ لأنهم قالوا: لا نعرف أهل دين شرًا منكم، فقيل لهم: شر منهم من كان بهذه الصفة، ومن كان بهذه الصفة فهو شر مكانًا ممن جعلتموهم شرًّا، ووصفتموهم به (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٦٠] قال الزجاج: أي: عن قصد السبيل (٤). وقال ابن عباس: "يعني دين الحنيفية" (٥). قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية عير المسلمون أهل الكتاب وقالوا: يا إخوان القردة والخنازير، فنكسوا رؤوسهم وافتضحوا.
٦١ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا﴾ الآية، قال الكلبي: "يعني اليهود، يقولون: صدقنا أنك رسول الله إذا دخلوا عليه، وهم يسرون الكفر" (٦).
وقال ابن زيد: هؤلاء هم الذين قالوا: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢]، (٧)، ومعنى: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ﴾

(١) انظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٩٠.
(٢) انظر: "تفسير الوسيط" ٢/ ٢٠٥.
(٣) انظر: "تفسير الوسيط" ٢/ ٢٠٥، "زاد المسير" ٢/ ٣٩٠.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٨٩.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) ذكره في "تفسير الوسيط" ٢/ ٢٠٥، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١١٨.
(٧) انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٧٥.

صفحة رقم 449

و ﴿خَرَجُوا بِهِ﴾ أي: دخلوا وخرجوا كافرين، والكفر معهم في كلتي حاليهم (١)، وهذا كما تقول: خرج زيد بثيابه، أي: وثيابه عليه، وركب البعير بسيفه، أي: وسيفه معه، وكما أنشده الأصمعي:

ومُستنةٍ كاستِنَانِ الخروف قد قَطَعَ الحبلَ بالمِرْوَدِ (٢)
أي: قد قطع الحبل ومروده فيه، وعلى هذا يتوجه قراءة من قرأ: ﴿تُنْبِتُ (٣) بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] أي تنبت ما تنبته والدهن فيه. وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية (٤)، والجار في موضع نصب على الحال في هذا التقدير، أي يدخلون ويخرجون والكفر في قلوبهم (٥)، ومعنى قد في قلوبهم: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ﴾ تقريب الماضي من الحال، يريد أنهم دخلوا كافرين وخرجوا كافرين (٦)، وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ أكد الكلام بالضمير تعيينًا إياهم بالكفر، وتمييزًا لهم عن غيرهم بهذه الصفة.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ [المائدة: ٦١]، أي: من نفاقهم إذا أظهروا (٧) بألسنتهم خلاف ما أضمروا في قلوبهم، فبين
(١) انظر: "تفسير الوسيط" ٢/ ٢٠٥، "تفسير البغوي" ٣/ ٧٥، "زاد المسير" ٢/ ٣٩١.
(٢) البيت لرجل من بني الحارِث، وهو في الكامل للمبرد ٢/ ١٣٥، و"المحتسب" ٢/ ٨٨، و"اللسان" ٢/ ١١٤٠ (خرف) وفيه: "وقوله: مستنة يعني طعنة فاردمها باستنان. والاستنان والسن: المر على وجهه، يريد أن دمها مر على وجهه كما يمي المُهرُ الأرِن". والمرود: "حديدة توتد في الأرض يشد بها حبل الدابة، كما في حاشية الكامل.
(٣) بضم التاء (تُنْبِتُ) قراءة ابن كثير وأبي عمرو، انظر: "حجة القراءات" ص ٤٨٤.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥٠٨.
(٦) انظر: "معاني القرآن الكريم" للنحاس ٢/ ٣٣٣، "بحر العلوم" ١/ ٤٤٧.
(٧) في (ج): (أظهروه).

صفحة رقم 450
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1