
تفسيرها. وقد جعل الخطاب في بعضها موجها إلى المعاصرين للنبي ﷺ والذين في بيئته للربط بين أخلاقهم وشذوذهم وأخلاق وشذوذ آبائهم الأولين.
ولقد ورد في الآية [٥١] من سورة النساء نسبة هذا الشذوذ إلى هؤلاء المعاصرين المقيمين في بيئة النبي ﷺ حيث ذكر فيها بأسلوب التنديد والإنكار أنهم كانوا يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للكفار العرب إن ذلك أهدى مما عليه النبي والمؤمنون على ما جاء في الآية [٦٠] حيث انطوى في ذلك تقرير استمرار الشذوذ والانحراف المحكي عن آبائهم في هؤلاء الأبناء أيضا.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)
. في الآيات:
(١) تقرير منطو على التنديد باليهود الذين هم موضوع الكلام بأنهم إذا جاءوا المسلمين أو إلى مجالس النبي ﷺ قالوا صدقنا وآمنا. في حين أنهم حين دخولهم دخلوا وقلوبهم جاحدة وحين خروجهم يخرجون كفارا جاحدين. وبأن هذه هي حقيقتهم التي يعلمها الله وهو الأعلم بحقائق ما يكتمون في نفوسهم.
(٢) وتقرير آخر منطو على التنديد كذلك بأن المدقق في حالهم يرى كثيرا منهم يوغلون في ارتكاب الآثام والعدوان وأكل المال الحرام دون ما تورع ولا مبالاة. وأنه لبئس العمل والخلق عملهم وخلقهم.
(٣) وتحدّ ينطوي على التنديد بأحبارهم ورهبانهم بأنهم كان عليهم أن يزجروا بني ملتهم عن تلك الأخلاق السيئة. ولكنهم لم يفعلوا. ولبئس الصنيع صنيعهم.

تعليق على الآية وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا | إلخ والآيتين التاليتين لها وما فيها من صور وتلقين |
والرواية لم ترد في كتب الحديث المعتبرة ومع احتمال صحة الواقعة المروية التي حكت مثلها آيات أخرى في سور أخرى «١» فإننا نرى انسجاما تاما بين الآيات واتصالا وثيقا بينها وبين الآيات السابقة سياقا وموضوعا مما يسوغ القول أنها نزلت معها جملة واحدة أو نزلت عقبها لإكمال السياق. وكل ما يمكن أن يكون أن السياق احتوى فيما احتواه إشارة إلى الواقعة المحكية في الرواية في جملة الوقائع التي صدرت منهم والأخلاق التي اتصفوا بها في معرض التنديد بهم والتحذير منهم والنهي عن موالاتهم ومصانعتهم.
وفي الواقعة المحكية من بشاعة سوء القصد ونية الكيد والدس ما هو واضح. وهذا من مشاهد مواقف اليهود الخبيثة إزاء النبي ﷺ ودعوته مضافة إلى مشاهد مواقفهم المماثلة إزاء المؤمنين. وقد تكرر هذا وذاك منهم على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة كما قلنا. ومع ذلك فإن صدر النبي ﷺ كان يحتمله منهم لأنه كان في نطاق المماحكة والمكر والكلام ولم يتبدل موقفه منهم إلّا حينما تجاوزوا هذا النطاق إلى التظاهر بالعداء والتآمر مع الأعداء على ما نبهنا عليه في سياق تفسير سورة البقرة والأنفال وآل عمران والنساء والحشر والأحزاب والجمعة والفتح.
والآية الثالثة في احتوائها معنى التنديد بأحبار اليهود وربانييهم تلهم أنه كان لهم ضلع ويد بارزة في المواقف الخبيثة التي كان يقفها اليهود فضلا عما تفيده من