آيات من القرآن الكريم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

قال انس فحدث رسول الله بمقالتهم فارسل الى الأنصار فجمعهم فى قبة من آدم ولم يدع معهم أحدا من غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله فقال (ما حديث بلغني عنكم) فقال الأنصار اما ذووا رأينا فلم يقولوا شيأ واما أناس حديثة أسنانهم فقالوا كذا وكذا للذى قالوا فقال النبي ﷺ (انما اعطى رجالا حديثى عهد بكفر فاؤلفهم) او قال (استألفهم أفلا ترضون ان يذهب الناس بالأموال وترجعوا برسول الله الى رحالكم فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) قالوا أجل يا رسول الله قد رضينا فالنبى عليه السلام أزال ما أوقع الشيطان فى نفوسهم بهذا اللطائف فلو كان قسم التركات اليه لكان للشيطان مجال الى آخر الدنيا فى ان يوقع الشر فى نفوس الامة ولم يمكن إزالته من النفوس لتعذر الوصول الى الخلق كلهم فى حال الحياة وبعد الوفاة فتولى الله ذلك لانه بكل شىء عليم ولعباده غفور رحيم

برو علم يك ذره پوشيده نيست كه پنهان و پيدا بنزدش يكيست
فرو ماندكانرا برحمت قريب تضرع كنانرا بدعوت مجيب
فحسم الكلمة بما نص على المقادير فى الميراث فضلا منه وقطعا لمواد الخصومات بين ذوى الأرحام ورحمة على النسوان فى التوريث لضعفهن وعجزهن عن الكسب وإظهارا لتفضيل الذكور عليهن لنقصان عقلهن ودينهن وتبيانا للمؤمنين لئلا يضلوا بظن السوء بالنبي عليه السلام كما قال يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ كذا فى التأويلات النجمية على صاحبها النفحات القدسية والبركات القدوسية. تمت سورة النساء فى اواسط جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين بعد الالف ويتلوها سورة المائدة
تفسير سورة المائدة
وهى مائة وعشرون آية كلها مدينة الا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية فانها نزلت بعرفة عام حجة الوداع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الوفاء هو القيام بمقتضى العهد وكذلك الإيفاء يقال وفى بالعهد وفاء واوفى به إيفاء إذا اتى ما عهد به ولم يغدر والنقل الى باب افعل لا يفيد سوى المبالغة والعقد هو العهد الموثق المشبه بعقد الحبل ونحوه والمراد بالعقود ما يعم جميع ما الزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والاحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به او يحسن دينا ان حملنا الأمر على معنى يعم الوجوب والندب. واحتج ابو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على ان من نذر صوم يوم العيد او ذبح الولد يجب عليه ان يصوم يوما يحل فيه الصوم ويذبح ما يحل ان يتقرب بذبحه لانه عهد والزم نفسه ذلك فوجب عليه الوفاء بما صح الوفاء به. واحتج بها ايضا على حرمة الجمع بين الطلقات لان النكاح من العقود فوجب ان يحرم رفعه لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقد ترك العمل بعمومه فى حق الطلقة الواحدة بالإجماع فبقى فيما عداها على الأصل وفى الحديث (ما ظهر الغلول فى قوم الا القى الله فى قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى فى قوم الأكثر فيهم

صفحة رقم 336

الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم ولاختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم العدو)

هر كه او نيك ميكند يابد نيك وبد هر چهـ ميكند يابد
ثم انه تعالى لما امر المؤمنين بان يوفوا جميع ما أوجبه عليهم من التكاليف شرع فى ذكر التكاليف مفصلة فبدأ بذكر ما يحل ويحرم من المطعومات فقال عز وجل من قائل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ البهيمة كل ذات اربع واضافتها الى الانعام للبيان كثوب الخز وافرادها لارادة الجنس اى أحل لكم أكل البهيمة من الانعام وهى الإبل والبقر والضأن والمعز وذكر كل واحد من هذه الأنواع الاربعة زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فكان جميع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين على التفصيل المذكور فى سورة الانعام فالبهيمة أعم من الانعام لان الانعام لا تتناول غير الأنواع الاربعة من ذوات الأربع والحق بالانعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ استثناء من بهيمة الانعام بتقدير المضاف اى الا محرم ما يتلى عليكم اى الا الذي حرمه المتلو من القرآن من قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ بعد هذه الآية او بتقدير نائب الفاعل اى الا ما يتلى عليكم فيه آية كريمة غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ الصيد بمعنى المصدر اى الاصطياد فى البر او المفعول اى أكل صيده بمعنى مصيده وهو نصب على الحالية من ضمير لكم ومعنى عدم احلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهو شائع فى الكتاب والسنة وَأَنْتُمْ حُرُمٌ اى محرمون حال من الضمير فى محلى. والحرم جمع حرام بمعنى محرم يقال احرم فلان إذا دخل فى الحرم او فى الإحرام وفائدة تقييد إحلال بهيمة الانعام بما ذكر من عدم إحلال الصيد حال الإحرام إتمام النعمة واظهار الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم اليه فان حرمة الصيد فى حالة الإحرام من مظان حاجتهم الى إحلال غيره حينئذ كأنه قيل أحلت لكم الانعام مطلقا حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها فى بعض الأوقات محتاجين الى إحلالها إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ من تحليل وتحريم على ما توجبه الحكمة ومعنى الإيفاء بهما الجريان على موجبهما عقدا وعملا والاجتناب عن تحليل المحرمات وتحريم المحللات. والاشارة فى الآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي جرت بيننا يوم الميثاق وعلى عهود العشاق وعقودهم على بذل وجودهم لنيل مقصودهم عاقدوا على عهد يحبهم ويحبونه ولا يحبون دونه فالوفاء بالعهد الصبر على الجفاء والجهد فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عند بذل وجوده أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ اى ذبح بهيمة النفس التي هى كالانعام فى طلب المرام إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يعنى الا النفس المطمئنة إذا تليت عليها ارجعي الى ربك فانها تنفرت من الدنيا وما فيها فانها كالصيد فى الحرم وأنتم حرم بالتوجه الى كعبة الوصال بإحرام الشوق الى حضرة الجمال والجلال متجردين عن كل مرغوب ومرهوب منفردين من كل مطلوب ومحبوب إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بذبح
النفس إذا كانت موصوفة بصفة البهيمة ترفع فى مراتع الحيوان السفلية ويحكم بترك ذبحها ويخاطبها بالرجوع الى حضرة الربوبية عند اطمئنانها

صفحة رقم 337

التوحيد ان يحسن النظر ولا يحقر أحدا من خلق الله ولا يشتغل بالعداوة والبغضاء: قال السعدي قدس سره

دلم خانه مهر يارست وبس از ان مى نكنجد درو كين كس
ومن كلمات اسد الله كرم الله وجهه العداوة شغل يعنى من اشتغل بالعداوة ينقطع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة لان القلب لا يسع الاشتغالين المتضادين
هر كه پيشه كند عداوت خلق از همه چيزها جدا گردد
كه دلش خسته عنا باشد گه تنش بسته بلا گردد
وكان ﷺ موصوفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال فعليك ان تقتدى به ولما مدح الله الأنبياء عليهم السلام ووصف كل نبى بصفة قال له تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ففعل فصار مستجمعا لكمال خصال الخير وكان كل واحد منهم مخصوصا بخصلة مثل نوح بالشكر وابراهيم بالحلم وموسى بالإخلاص وإسماعيل بصدق الوعد ويعقوب وأيوب بالصبر وداود بالاعتذار وسليمان بالتواضع وعيسى بالزهد فلما اقتدى بهم اجتمع له الكل فانت ايها المؤمن من امة ذلك الرسول ﷺ فاتق الله واستحى من رسول الله كى تنجو من العقاب الشديد والعذاب المديد وتظفر بالخلد الباقي بالنعيم المقيم وتنال ما نال اليه ذو القلب السليم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ اى تناولها فان التحليل والتحريم انما يتعلقان بالافعال دون الأعيان والميتة ما فارقه الروح من غير ذبح وَالدَّمُ اى الدم المسفوح اى المصبوب كالدماء التي فى العروق لا الكبد والطحال وكان اهل الجاهلية يصبونها فى أمعاء ويشوونها ويقولون لم يحرم من فزدله اى من فصدله وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ لعينه لا لكون ميتة حتى لا يحل تناوله مع وجود الذكاة فيه وفائدة تخصيص لحم الخنزير بالذكر دون لحم الكلب وسائر السباع ان كثيرا من الكفار الفوا لحم الخنزير فخص بهذا الحكم وذلك ان سائر الحيوانات المحرم أكلها إذا ذبحت كان لحمها طاهرا لا يفسد الماء إذا وقع فيه وان لم يحل أكله بخلاف لحم الخنزير. قال فى التنوير وليس الكلب بنجس العين قال العلماء الغذاء يصير جزأ من جوهر المغتذى ولا بد وان يحصل للمغتذى اخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلا فى الغذاء والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة فى المشتهيات فحرم أكله على الإنسان لئلا يتكيف بتلك الكيفية ومن جملة خبائث الخنزير انه عديم الغيرة فانه يرى الذكر من الخنازير ينزو على أنثى له ولا يتعرض له لعدم غيرته فاكل لحمه يورث عدم الغيرة وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ اى رفع الصوت لغير الله عند ذبحه كقولهم باسم اللات والعزى. قال الفقهاء ولو سمى الذابح النبي عليه السلام مع الله فقال باسم الله ومحمد حرمت الذبيحة وفى الحديث (لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله) قال النووي المراد به الذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم او لموسى او لغيرهما. ذكر الشيخ الماوردي ان ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا اليه افتى اهل بخارى بتحريمه لانه مما اهل به لغير الله. وقال الرافعي هذا غير محرم لانهم انما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم كذا فى شرح المشارق لابن ملك

صفحة رقم 340

وَالْمُنْخَنِقَةُ اى التي ماتت بالخنق وهو احتباس النفس بسبب انعصار الحلق وأكل المنخنقة حرام سواء حصل اختناقها بفعل آدمي او لا مثل ان يتفق ان تدخل البهيمة برأسها بين عودين من شجرة فتخنق فتموت وكان اهل الجاهلية يخنقون الشاة فاذا ماتت أكلوها وهذه المنخنقة من جنس الميتة لانها ماتت من غير تذكية وَالْمَوْقُوذَةُ المضروبة بنحو خشب او حجر حتى تموت من وقذته إذا ضربته قال قتادة كانوا يضربونها بالعصى فاذا ماتت أكلوها وهى فى معنى المنخنقة ايضا لانها ماتت ولم يسل دمها وَالْمُتَرَدِّيَةُ التي تردت من مكان عال او فى بئر فماتت قبل الذكاة. والتردي هو السقوط مأخوذ من الردى وهو الهلاك قال رسول الله ﷺ لعدى بن حاتم (إذا تردت رميتك من جبل فوقعت فى ماء فلا تأكل فانك لا تدرى أسهمك قتلها أم الماء) فصار هذا الكلام أصلا فى كل موضع اجتمع فيه معنيان أحدهما حاظر والآخر مبيح انه يغلب جهة الحظر ولهذا قال ﷺ (الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهة فدع ما يريبك الى ما يريبك ألا وان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه) وعن عمر رضى الله عنه انه قال كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الربا وَالنَّطِيحَةُ التي نطحتها اخرى فماتت بالنطح وهو بالفارسية «سروزدن» والتاء فى هذه الكلمات الأربع لنقلها من الوصفية الى الاسمية وكل ما لحقته هذه التاء يستوى فيه المذكر والمؤنث وقيل التاء فيها لكونها
صفات لموصوف مؤنث وهو الشاة كأنه قيل حرمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة وخصت الشاة بالذكر لكونها أعم ما يأكله الناس والكلام يخرج على الأعم الأغلب ويكون المراد الكل وَما أَكَلَ السَّبُعُ اى وما أكل منه السبع فمات وكان اهل الجاهلية يأكلونه. والسبع اسم يقع على ماله ناب ويعدو على الإنسان والدواب ويفترسها كالاسد وما دونه وهو يدل على ان جوارح الصيد إذا أكلت مما اصطادته لم يحل إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ اى الا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء وفيه بقية حياة يضطرب اضطراب المذبوح فانه يحل لكم فاما ما صار بجرح السبع الى حالة المذبوح فهو فى حكم الميتة فلا يكون حلالا وان ذبحته وكذلك المتردية والنطيحة إذا أدركتها حية قبل ان تصير الى حالة المذبوح فذبحتها تكون حلالا ولو رمى الى صيد فى الهواء وأصابه فسقط على الأرض ومات كان حلالا لان الوقوع على الأرض من ضرورته وان سقط على جبل او شجر ثم تردى منه فمات فلا يحل وهو من المتردية الا ان يكون السهم أصاب مذبحه فى الهواء فيحل كيف ما وقع لان الذبح قد حصل باصابة السهم المذبح واما ما أبين من الصيد قبل الذكاة فهو ميتة. والذكاة فى الشرع بقطع الحلقوم والمري وهو اسم لما اتصل بالحلقوم وهو الذي يجرى فيه الطعام والشراب واقل الذكاة فى الحيوان المقدور عليه قطع الحلقوم والمري وكماله ان يقطع الودجان معهما ويجوز بكل محدد من حديد او قصب او زجاج او حجر او نحوها فان جمهور العلماء على ان كل ما افرى الأوداج وانهر الدم فهو من آلات الذكاة ما خلا السن والظفر والعظم ما لم يكن السن والظفر منزوعين لان الذبح بهما يكون خنقا واما المنزوعان منهما إذا افريا الأوداج فالذكات جائزة بهما عندهم والذكاة الذبح التام الذي يجوز معه الاكل ولا يحرم لان اصل الذكاة إتمام الشيء ومنه الذكاء فى الفهم إذا كان

صفحة رقم 341

تام العقل وفى الحديث (الذكاة ما بين اللبة واللحيين) فعلى هذا اللحم القديد الذي يجيئ الى دار الإسلام من دار افلاق لا يجوز أكله لانهم يضربون رأس البقر ونحوه بفأس ومثله فيموت فلا توجد الذكاة وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ النصب واحد الأنصاب وهى أحجار كانت منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة قال الامام من الناس من قال النصب هى الأوثان وهذا بعيد لان هذا معطوف على قوله وما اهل لغير الله به وذلك هو الذبح على اسم الأوثان ومن حق المعطوف ان يكون مغايرا للمعطوف عليه. وقال ابن جريج النصب ليست بأصنام فان الأصنام أحجار مصورة منقوشة وهذه النصب أحجار كانوا نصبوها حول الكعبة وكانوا يذبحون عندها للاصنام وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويضعون اللحوم عليها فقال المسلمون يا رسول الله كان اهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم ونحن أحق ان نعظمه وكان عليه السلام لم يكره ذلك فانزل الله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها الى هنا كلام الامام وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ جمع زلم وهو القدح اى وحرم عليكم الاستقسام بالقداح وذلك انهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة قداح مكتوب على أحدها أمرني ربى وعلى الآخر نهانى ربى والثالث غفل اى خال عن الكتابة فان خرج الأمر مضوا على ذلك وان خرج الناهي اجتنبوا عنه وان خرج الغفل اجالوها ثانيا فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بواسطة ضرب القداح وقيل هو استقسام الجزور بالقداح على الأنصباء المعلومة اى طلب معرفة كيفية قسمة الجزور وقد تقدم تفصيله عند تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فى سورة البقرة ذلِكُمْ اشارة الى الاستقسام بالأزلام فِسْقٌ اى تمرد وخروج عن الحد ودخول فى علم الغيب وضلال باعتقاد انه طريق اليه وافتراء على الله سبحانه ان كان هو المراد بقولهم ربى وشرك وجهالة ان كان هو الصنم. فظاهر هذه الآية يقتضى ان العمل على قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا واخرج من أجل نجم كذا فسق لان ذلك دخول فى علم الغيب ولا يعلم الغيب الا الله كذا فى تفسير الحدادي. واعلم ان استعلام الغيب بالطريق الغير المشروع كاستعلام الخير والشر من الكهنة والمنجمين منهى عنه بخلاف
استعلام الغيب بالاستخارة بالقرآن وبصلاة الاستخارة ودعائها وبالنظر والرياضة لانه استعلام بالطريق المشروع وان طلب ما قسم له من الخير ليس منهيا عنه مطلقا بل المنهي عنه هو الاستقسام بالأزلام وفى الحديث (العيافة والطرق والطيرة من الجبت) والمراد بالطرق الضرب بالحصى وفى الحديث (من تكهن او استقسم او تطير طيرة ترده من سفره لم ينظر الى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة) الْيَوْمَ اللام للعهد والمراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الازمنة الماضية والآتية ونظيره قولك كنت بالأمس شابا واليوم قد صرت شيخا فانك لا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم اليوم الذي أنت فيه. وقيل أراد يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة يوم عرفة حجة الوداع والنبي عليه السلام واقف بعرفات على العضباء فكادت عضد الناقة تندق لثقلها فبركت وأياما كانت فهو منصوب على انه ظرف لقوله تعالى يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ اى من ابطالكم إياه ورجوعكم عنه بان تحللوا هذه الخبائث بعد ان جعلها الله محرمة او من ان يغلبوكم عليه لما شاهدوا

صفحة رقم 342

من ان الله عز وجل وفى بوعده حيث أظهره على الدين كله وهو الأنسب بقوله تعالى فَلا تَخْشَوْهُمْ اى من ان يظهروا عليكم وَاخْشَوْنِ وأخلصوا الى الخشية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بالنصر والإظهار على الأديان كلها او بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على اصول الشرائع وقوانين الاجتهاد وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بالهداية والتوفيق او بإكمال الدين والشرائع او بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكها والنهى عن حج المشركين وطواف العريان وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً اى اخترته لكم من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير. فقوله دينا نصب حالا من الإسلام ويجوز ان يكون رضيت بمعنى صيرت فقوله دينا مفعول ثان له. قال جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قال (جبريل عليه السلام قال الله عز وجل هذا دين ارتضيته لنفسى ولن يصلحه الا السخاء وحسن الخلق فاكرموه بهما ما صحبتموه) وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان رجلا من اليهود قال له يا امير المؤمنين آية فى كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا قال أي آية قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ إلخ قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي عليه السلام وهو قائم بعرفة يوم الجمعة أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيدا لنا قال ابن عباس رضى الله عنهما كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود والنصارى والمجوس ولم تجتمع أعياد اهل الملل فى يوم قبله ولا بعده- وروى- انه لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضى الله عنه فقال النبي عليه السلام (ما يبكيك يا عمر) قال أبكاني انا كنا فى زيادة من ديننا فاذا كمل فانه لم يكمل شىء الأنقص قال (صدقت) فكانت هذه الآية تنعى رسول الله ﷺ وعاش بعدها احدى وثمانين يوما ومات يوم الاثنين بعد ما زاغت الشمس لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة احدى عشر من الهجرة. وقيل توفى يوم الثاني عشر من شهر ربيع الاول وكانت هجرته فى الثاني عشر منه: قال السعدي قدس سره

جهان اى برادر نماند بكس دل اندر جهان آفرين بند وبس
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ز دنيا وفا دارى اميد نيست
منه دل برين سال خورده مكان كه گنبد نپايد برو كردكان
فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض بما يوجب التجنب عنها وهو ان تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضى والمعنى فمن اضطر الى تناول شىء من هذه المحرمات فِي مَخْمَصَةٍ اى مجاعة يخاف منها الموت او مباديه غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ حال من فاعل الجواب المحذوف اى فليتناول مما حرم غير مائل ومنحرف اليه بان يأكلها تلذذا او مجاوزا حد الرخصة او ينتزعها من مضطر آخر كقوله تعالى غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه بأكلها وهو تعليل للجواب المقدر- وروى- ان رجلا يا رسول الله انا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة فقال (ما لم تصطبحوا او تغتبقوا او تجنفوا بها بقلافشانكم بها) ومن امتنع من الميتة حال المخمصة او صام ولم يأكل حتى مات اثم بخلاف من امتنع من التداوى حتى مات فانه لا يأثم لانه لا يقين بان هذا الدواء يشفيه ولعله يصح من غير علاج

صفحة رقم 343

والاشارة فى الآيات ان ظاهرها خطاب لاهل الدنيا والآخرة وباطنها عتاب لاهل الله وخاصته حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ يا اهل الحق الْمَيْتَةُ وهى الدنيا بأسرها: قال فى المثنوى

در جهان مرده شان آرام نيست كين علف جز لايق انعام نيست
هر كرا گلشن بود بزم ووطن كى خورد او باده اندر كولخن
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ يعنى حلالها وحرامها قليلها وكثيرها وذلك لان من الدم ما هو حلال والخنزير كله حرام والدم بالنسبة الى اللحم قليل واللحم بالنسبة الى الدم كثير وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعنى كل طاعة وعبادة وقراءة ودراسة ورواية تظهرون به لغير الله وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ يعنى الذين يخنقون نفوسهم بالمجاهدات ويقذونها بانواع الرياضات بنهيها عن المرادات وزجرها عن المخالفات للرياء والسمعة وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ الذين يردون نفوسهم من أعلى عليين الى أسفل سافلين بالتناطح مع الاقران والمماراة مع الاخوان والتفاخر بالعلم والزهد بين الأخدان وفى قوله وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ اشارة الى انه فيما تحتاجون اليه من القوت الضروري كونوا محترزين من أكيلة السباع وهم الظلمة الذين يتهاوشون فى جيفة الدنيا تهاوش الكلاب ويتجاذبونها بمخالب الاطماع الفاسدة الا ما ذكيتم بكسب خلال ووجه صالح بقدر ضرورة الحال وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ يشير الى ما ذبح عليه النفس بانواع الجد والاجتهاد من المطالب الدنيوية والاخروية وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ يعنى لا تكونوا مترددين متفئلين فى طلب المرام مبتغين لحصول المقصود متهاونين فى بذل الوجود فاذا انتهيتم عن هذه المناهي وتخلصتم من هذه الدواهي واخلصتم لله فى الله بالله وخرجتم من سجن الانانية وسجين الانسانية بالجذبات الربانية فقد عادت ليلتكم نهارا وظلمتكم أنوارا الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا من النفس وصفاتها والدنيا وشهواتها مِنْ دِينِكُمْ وتيقنوا ان ما بقي لكم الرجوع الى ملتهم ولا الصلاة الى قبلتهم فَلا تَخْشَوْهُمْ فانكم خلصتم من شبكة مكايدهم ونجوتم من عقد مصايدهم وَاخْشَوْنِي فان كيدى متين وصيدى مهين وبطشى شديد وحبسى مديد الْيَوْمَ اشارة الى الأزل أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ اى جعلت الكمالية فى الدين من الأزل نصيبا لكم من جميع اهل الملل والأديان وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي التي أنعمت بها عليكم فى الأزل من الكمالية الآن بإظهار دينكم على الأديان كلها فى الظاهر واما فى الحقيقة فسيجىء شرحه وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً تستكملون به الى الابد بحيث من يتبغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وذلك لان حقيقة الدين هى سلوك سبيل الله بقدم الخروج من الوجود المجازى للوصول الى الوجود الحقيقي والإنسان مخصوص به من سائر الموجودات ولهذه الامة اختصاص بالكمالية فى السلوك من سائر الأمم فالدين من عهد آدم عليه السلام كان فى التكامل بسلوك الأنبياء سبيل الحق الى عهد النبي عليه الصلاة والسلام فكل نبى سلك فى الدين مسلكا أنزله بقربه من مقامات القرب ولكن ما خرج أحد منهم بالكلية من الوجود المجازى للوصول الى الوجود الحقيقي بالكمال فقيل للنبى عليه السلام أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فسلك النبي جميع المسالك التي سلكها الأنبياء بأجمعهم فلم يتحقق له الخروج ايضا بقدم السلوك من الوجود المجازى بالكلية حتى تداركته

صفحة رقم 344
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية