آيات من القرآن الكريم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

أُمرت به، و «التقوى» : ترك ما نُهيت عنه. فأمّا «الإثم» فالمعاصي. والعدوان: التّعدّي في حدود الله، قاله عطاء.

فصل: اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين:


أحدهما: أنها محكمة، روي عن الحسن أنه قال: ما نسخ من المائدة شيء، وكذلك قال أبو ميسرة في آخرين قالوا: ولا يجوز استحلال الشعائر، ولا الهدي قبل أوان ذبحه، واختلفوا في «القلائد» فقال قوم: يحرم رفع القلادة عن الهدي حتى ينحر، وقال آخرون: كانت الجاهلية تقلِّد من شجر الحرم، فقيل لهم: لا تستحلُّوا أخذ القلائد من الحرم، ولا تصدوا القاصدين إِلى البيت.
والثاني: أنها منسوخة، وفي المنسوخ منها أربعة أقوال: أحدها: أن جميعها منسوخ، وهو قول الشعبي. والثاني: أنها وردت في حق المشركين كانوا يقلِّدون هداياهم، ويظهرون شعائِر الحج من الاحرام والتلبية، فنُهي المسلمون بهذه الآية عن التعرّض لهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «١» وهذا قول الأكثرين. والثالث: أن الذي نُسخ قوله تعالى: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ نسخه قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «٢» روي عن ابن عباس، وقتادة. والرابع: أن المنسوخ منها: تحريم الشهر الحرام، وآمّون البيت الحرام: إِذا كانوا مشركين، وهدي المشركين. إِذا لم يكن لهم من المسلمين أمان، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٣]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)
قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ مفسّرٌ في «البقرة»، فأمّا وَالْمُنْخَنِقَةُ فقال ابن عباس: هي التي تختنق فتموت، وقال الحسن، وقتادة: هي التي تختنق بحبل الصائد وغيره. قلت: والمنخنقة حرام كيف وقع ذلك، قال ابن قتيبة: وَالْمَوْقُوذَةُ: التي تُضرب حتى توقَذ، أي: تشرف على الموت، ثم تترك حتى تموت، وتؤكل بغير ذكاة، ومنه يقال: فلان وقيذ، وقد وقذته العبادة. و «المتردّية» : الواقعة من جبل أو حائط، أو في بئر، يقال: تردى: إِذا سقط. وَالنَّطِيحَةُ: التي تنطحها شاة أخرى أو بقرة، «فعيلة» في معنى «مفعولة» وَما أَكَلَ السَّبُعُ وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجلز، وابن أبي ليلى:
السَّبع: بسكون الباء. والمراد: ما افترسه فأكل بعضه إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ أي: إِلا ما لحقتم من هذا كله وبه حياة، فذبحتموه «٣». فأما الاستثناء، ففيه قولان: أحدهما: أنه يرجع إِلى المذكور من عند قوله تعالى:
(١) سورة التوبة: ٥.
(٢) سورة التوبة: ٣٨.
(٣) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١٣/ ٢٩١: «مسألة: وإذا ندّ بعيره فلم يقدر عليه فرماه بسهم أو نحوه مما يسيل به دمه فقتله أكل». قال: وكذلك إذا تردى في بئر فلم يقدر على تذكيته، فجرحه في أي موضع قدر عليه، فقتله أكل، إلا أن تكون رأسه في الماء فلا يؤكل، لأن الماء يعين على قتله، هذا قول أكثر الفقهاء، روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة، وبه قال مسروق والأسود والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق والشعبي والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور. وقال مالك: لا يجوز أكله إلا أن يذكّى. وهو قول ربيعة والليث. قال أحمد: لعل مالكا لم يسمع حديث رافع بن خديج اه باختصار.

صفحة رقم 510

وَالْمُنْخَنِقَةُ. والثاني: أنه يرجع إِلى ما أكل السبع خاصة، والعلماء على الأول.
فصل في الذكاة: قال الزجاج: أصل الذكاة في اللغة: تمام الشيء، فمنه الذكاء في السن، وهو تمام السِّن. قال الخليل: الذكاء: أن تأتي على قروحه سنة، وذلك تمام استكمال القوة، ومنه الذكاء في الفهم، وهو أن يكون فهماً تاماً، سريع القبول. وذكّيت النار، أي: أتممت إِشعالها. وقد روي عن عليّ، وابن عباس، والحسن، وقتادة أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد له عينٌ تَطْرِف أو ذنب يتحرك، فأكله حلالٌ. قال القاضي أبو يعلى: ومذهب أصحابنا أنه إِن كان يعيش مع ما به، حل بالذبح، فان كان لا يعيش مع ما به، نظرت، فان لم تكن حياته مستقرّة، وإِنما حركته حركة المذبوح، مثل أن شُقَّ جوفه، وأُبينت حشوته، فانفصلت عنه، لم يحل أكله، وإِن كانت حياته مستقرة يعيش اليوم واليومين، مثل أن يشق جوفه، ولم تقطع الأمعاء، حل أكله. ومن الناس من يقول: إِذا كانت فيه حياة في الجملة أُبيح بالذكاة، والصحيح ما ذكرنا، لأنه إِذا لم تكن فيه حياة مستقرة، فهو في حكم الميت.
ألا ترى أن رجلاً لو قطع حُشْوَةَ آدمي، ثم ضرب عنقه آخر، فالأول هو القاتل، لأن الحياة لا تبقى مع الفعل الأول.
وفي ما يجب قطعه في الذكاة روايتان «١» : إِحداهما: أنه الحلقوم والمريء والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء، فإن نقص من ذلك شيئاً لم يؤكل، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله.
والثانية: يجزئ قطع الحلقوم والمريء، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجزئ قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. وقال مالك: يجزئ قطع الأوداج، وإِن لم يقطع الحلقوم. وقال الزجاج: الحلقوم بعد الفم، وهو موضع النفَس، وفيه شعب تتشعب منه في الرئة.

(١) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٣/ ٣٠٣- ٣٠٨: يعتبر قطع الحلقوم والمريء وبهذا قال الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين وبه قال مالك وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: يعتبر قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين ولا خلاف أن الأكمل قطع الأربعة: الحلقوم والمريء والودجين اه ملخصا. ويسنّ الذبح بسكين حادّ، ويكره أن يسنّ السكين والحيوان يبصره ويكره أن يذبح شاة وأخرى تنظر إليه، ويستحب أن يستقبل القبلة. وإذا ذبح فأتى على المقاتل، فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء، أو وطئ عليها شيء لم تؤكل. يعني وطئ عليها شيء يقتلها مثله غالبا. وقال أصحابنا المتأخرين: لا يحرم بذلك وهو قول أكثر الفقهاء، لأنها إذا ذبحت فقد صارت في حكم الميت، وكذلك لو أبين رأسها بعد الذّبح، لم تحرم. وإذا ذبحها من قفاها، وهو مخطئ، فأتت السكين على موضع ذبحها، وهي في الحياة أكلت. قال القاضي: معنى الخطأ أن تلتوي الذبيحة عليه، فتأتي السكين على القفا، لأنها مع التوائها معجوز عن ذبحها في محل ذبحها، فسقط اعتبار المحل. وقد روي أن الفضل بن زياد قال: سألت أبا عبد الله عن من ذبح في القفا؟ قال: عامدا أو غير عامد؟ قلت: عامدا. قال: لا تؤكل، فإذا كان غير عامد، كأنه التوى عليه، فلا بأس. ومن ذبحها من قفاها اختيارا. لا تؤكل. وقال القاضي: إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء، حلّت وإلا فلا. وهذا مذهب الشافعي. وهذا أصح. لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحلّه. ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلّت بذلك.

صفحة رقم 511

والمريء: مجرى الطعام، والودجان: عرقان يقطعهما الذابح. فأما الآلة التي تجوز بها الذكاة، فهي كل ما أنهر الدم، وفرى الأوداج سوى السن والظفر، سواء كانا منزوعين أو غير منزوعين. وأجاز أبو حنيفة الذكاة بالمنزوعين. فأما البعير إِذا توحش أو تردى في بئر، فهو بمنزلة الصيد ذكاته عقره. وقال مالك:
ذكاته ذكاة المقدور عليه. فإن رمى صيداً فأبان بعضه وفيه حياة مستقرة فذكّاه، أو تركه حتى مات جاز أكله، وفي أكل ما بان منه روايتان.
قوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ في النصب قولان: أحدهما: أنها أصنام تنصب، فتُعبد من دون الله، قاله ابن عباس، والفراء، والزجاج، فعلى هذا القول يكون المعنى، وما ذبح على اسم النُّصب، وقيل لأجلها، فتكون «على» بمعنى «اللام»، وهما يتعاقبان في الكلام، كقوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ «١» أي: عليك، وقوله تعالى: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «٢». والثاني: أنها حجارة كانوا يذبحون عليها، ويشرِّحون اللحم عليها ويعظمونها، وهو قول ابن جريج.
وقرأ الحسن، وخارجة عن أبي عمرو: على النَّصْب، بفتح النون، وسكون الصاد، قال ابن قتيبة، يقال: نُصُبٌ ونُصْبُ ونَصْبٌ، وجمعه أنصاب.
قوله تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قال ابن جرير: أي: وأن تطلبوا عِلم ما قُسم لكم، أو لم يقسم بالأزلام، واستفعلت من القسم، قسم الرزق والحاجات. قال ابن قتيبة: الأزلام: القداح، واحدها: زَلَم وزُلَم. والاستقسام بها: أن يضرب بها فيعمل بما يخرج فيها من أمرٍ أو نهي، فكانوا إِذا أرادوا أن يقتسموا شيئاً بينهم، فأحبُّوا أن يعرفوا قسم كل امرئٍ تعرفوا ذلك منها، فأخِذ الاستقسام من القِسم وهو النصيب. قال سعيد بن جبير: الأَزلام: حصى بيض، كانوا إِذا أرادوا غدواً، أو رواحاً، كتبوا في قدحين، في أحدهما: أمرني ربي، وفي الآخر: نهاني ربي، ثم يضربون بهما، فأيهما خرج، عملوا به. وقال مجاهد: الأزلام: سهام العرب، وكعاب «٣» فارس التي يتقامرون بها. وقال السدي:
كانت الأزلام تكون عند الكهنة. وقال مقاتل: في بيت الأصنام. وقال قوم: كانت عند سدنة الكعبة.
قال الزجاج: ولا فرق بين ذلك وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، أو اخرج من أجل نجم كذا.
قوله تعالى: ذلِكُمْ فِسْقٌ في المشار إِليه بذلكم قولان: أحدهما: أنه جميع ما ذكر في الآية، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن جبير. والثاني: أنه الاستقسام بالأزلام، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والفسق: الخروج عن طاعة الله إِلى معصيته.
قوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ في هذا «اليوم» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اليوم الذي دخل فيه رسول الله مكة في حجة الوداع، قاله أبو صالح عن ابن عباس «٤». وقال ابن السائب: نزلت ذلك اليوم. والثاني: أنه يوم عرفة، قاله مجاهد، وابن زيد.

(١) سورة الواقعة: ٩١.
(٢) سورة الإسراء: ٧.
(٣) في اللسان الكعاب: فصوص النّرد. واللعب بها حرام.
(٤) لا يصح عن ابن عباس، فهو من رواية أبي صالح، وهو غير ثقة في ابن عباس، وراوية أبي صالح هو محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن يضع الحديث.

صفحة رقم 512

والثالث: أنه لم يرد يوماً بعينه، وإِنما المعنى: الآن يئسوا، كما تقول: أنا اليوم قد كبرت، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: العرب توقع اليوم على الزمان الذي يشتمل على الساعات والليالي، فيقولون: قد كنت في غفلة، فاليوم استيقظت، يريدون: فالآن، ويقولون: كان فلان يزورنا، وهو اليوم يجفونا، ولا يقصدون باليوم قصد يوم واحد. قال الشاعر:

فيومٌ علينا ويوم لنا ويومٌ نُساء ويومٌ نُسر «١»
أراد: فزمان لنا، وزمان علينا، ولم يقصد ليوم واحد لا ينضم إِليه غيره.
وفي معنى يأسهم قولان: أحدهما: أنهم يئسوا أن يرجع المؤمنون إلى دين المشركين، قاله ابن عباس والسدي. والثاني: يئسوا من بطلان الإِسلام، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: وإِنما يئسوا من إِبطال دينهم لما نقل الله خوف المسلمين إِليهم. وأمنهم إِلى المسلمين، فعلموا أنهم لا يقدرون على إِبطال دينهم، ولا على استئصالهم، وإِنما قاتلوهم بعد ذلك ظناً منهم أن كفرهم يبقى. قوله تعالى:
فَلا تَخْشَوْهُمْ قال ابن جريج: لا تخشوهم أن يظهروا عليكم، وقال ابن السائب: لا تخشوهم أن يظهروا على دينكم، واخشوني في مخالفة أمري.
قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
(٣٩٧) روى البخاري، ومسلم في «الصحيحين» من حديث طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إِلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إِنكم تقرؤون آيةً من كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأيّ آية هي؟ قال: قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فقال عمر: إِني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله وهو قائم بعرفة في يوم جمعة. وفي لفظ «نزلت عشيّة عرفة» قال سعيد بن جبير: عاش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك أحداً وثمانين يوماً «٢».
فأما قوله تعالى: الْيَوْمَ ففيه قولان: أحدهما: أنه يوم عرفة، وهو قول الجمهور. والثاني: أنه ليس بيوم معيّن، رواه عطيّة عن ابن عباس، وقد ذكرنا هذا آنفاً.
وفي معنى إِكمال الدين خمسة أقوال «٣» : أحدها: أنه إِكمال فرائضه وحدوده، ولم ينزل بعد هذه
صحيح. أخرجه البخاري ٤٥ و ٤٤٠٧ و ٤٦٠٦ و ٧٢٦٨ ومسلم ٣٠١٧ والترمذي ٣٠٤٣ والنسائي ٨/ ١١٤ وأحمد ١/ ٢٨ والطبري ١١٠٩٨ و ١١٠٩٩ عن طارق بن شهاب عن عمر به.
__________
(١) البيت للنمر بن تولب كما في «الشواهد الكبرى» للعيني ١/ ٥٦٥. [.....]
(٢) هو مرسل، وتقدم في أواخر سورة البقرة.
(٣) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤١٩: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين به، أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينهم بإفرادهم البلد الحرام وإجلائه عنه المشركين، حتى حجه المسلمون دونهم لا يخالطونهم المشركون. فأما الفرائض والأحكام، فإنه قد اختلف فيها: هل كانت أكملت ذلك اليوم، أم لا؟ ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن قبض بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعا. فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النساء: ١٧٦ آخرها نزولا، وكان ذلك من الأحكام والفرائض.

صفحة رقم 513
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية