آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم... ﴾.
قال ابن عصفور في مقربة والآمدي في شرح الجزولية: (لَمْ) لنفي الماضي المتصل بزمن الحال ومثل ذلك ﴿وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى﴾ ولم يندم، وعصى إبليس ربه ولمّا يندم لأن نفي الندم عن آدم كان ومضى وانقطع كوقوع الندم منه بعد ذلك، ونفيه عن إبليس متصل بزمن الحال.
قال ابن عرفة: وعادتهم يتعقبونه بوجيهن:
الأول: نسبة العصيان لآدم عليه السلام فإنه وإن كان ورد في القرآن لكنّه لا ينبغي أن (يتكلم) المخلوق على جهة المثال فإنه من إساءة الأدب على الأنبياء.

صفحة رقم 610

الثاني: ان نفي النّدم عنه إما قبل المعصية أو بعدها، والأقسام كلها باطلة لوقوع النّدم منه إثر المعصية. قال الله تعالى ﴿فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ (فعقب) الأكل بدت لهما السوءات، فوقع الندم والندم حين العصيان غير متصور فأحرى قبله.
وقال القرطبي: (لَمَّا) هنا بمعنى (لم) لنفي الماضي المنقطع لأن ذلك كان في غزوة أحد وهي متقدمة على (هذه) الآية.
ورده ابن عرفة بأنّه إنّما يلزم ذلك لو (علّقه) في الآية بالعلم، وهو أنما علّقه بالحسبان.
قلت: ونقله بعض الطلبة بلفظ لا يحتاج إلى هذا بل هي على بابها لأن حسابهم أنهم يدخلون الجنة حالة كونهم لم يأتهم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ وهذا (الحسبان) لم ينقطع وما زال المؤمنون يظنون أنهم يدخلون الجنة من غير بأس ولا مشقة تنالهم إلى حين نزول هذه الآية، ونيلهم البأس في (هذه الغزوة) لا يرفع ظنّهم ذلك.
قال ابن عرفة: والبأَسَاءُ راجع لفقد المال، وَالضّرّاءُ للنقص في البدن والزلزال في النفس.

صفحة رقم 611

قوله تعالى: ﴿حتى يَقُولَ الرسول... ﴾.
قرأ نافع، بالرفع.
قال ابن عطية: كأنه اقترن بها (تسبيب)، فحتى (حرف) (ابتداء) يرفع الفعل.
ابن عطية: ظاهره أيضا إذا كان ما قبلها سببا لما بعدها، فالرفع مطلقا وليس كذلك. بل لابد من زيادة كونه ماضيا أو حالا، وأما إن كان الفعل مستقبلا فالنصب ليس إلا، وكذلك جعله الزمخشري حكاية حال ماضية.
قال أبو حيان: وحتى على النصب (للغاية) بمعنى: إلى أن، أو للتعليل بمعنى كي. قال: والغاية أظهر لأن (الضراء) والزلزال ليسا معللين بقول الرّسول والمؤمنين.

صفحة رقم 612

قال ابن عرفة: إن اعتبرنا (الزلزال) من حيث نسبته إليهم فليس بعلة، لأنهم لا يتزلزلون قصدا لأن يقول الرّسول والمؤمنون هذه المقالة، وإن اعتبرناه من حيث نسبته إلى الحق سبحانه وتعالى إذ هو الفاعل المختار في الحقيقة فهو علة في قول الرسول والمؤمنين؛ ذلك لأن الله تعالى زلزلهم ليقول الرسول والمؤمنون هذه المقالة. وأبو حيان لما رأى الفعل وهو «زُلْزلُوا» مبنيا للمفعول اعتبر نسبته إليه.
قال ابن عطية: عن طائفة: وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: حتى يَقُولَ الَّذينَءَامَنُوا مَتَى نَصْرُ الله، ويقول الرّسول أَلاَ إنّ نَصْرَ الله قَريبٌ.
قال ابن عرفة: لا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير بل هو لف ونشر مخالف جعل فيه أول القولين للقائل الثاني لكونه يليه.
وقوله «مَعَهُ» يحتمل أن يتعلق ب «ءَامَنُوا» أو ب «يَقُول» فإن تعلق ب «ءَامَنُوا» فيكون من جمع القول دون قائله مثل: ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ﴾ فكل فريق دعا إلى دينه وإن تعلق ب «يقول» فيكون من جمع (القائلين وأقوالهم) فيكون الرسول قال المقالتين والمؤمنون كذلك قالوا المقالتين.

صفحة رقم 613
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
حسن المناعي
الناشر
مركز البحوث بالكلية الزيتونية - تونس
سنة النشر
1986
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية