آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُا}، وقول النبي - عليه السلام: " هدانا الله لما اختلفوا فيه "، ومنهم من جعله عاما في جميع الأمم، وقوله بالحق، أي بما يسمى من الثواب والعقاب، وقيل بالأمر والنهي وكلاهما مرادان، فالكتاب مشتمل على كل ذلك، وقوله: (بإذنه) أي بعلمه، وقيل: بأمره، وقيل: بلطفه، والأذن لما يسمع، ويعبر به عن العلم إذ هو مبدأ العلم فينا...
إن قيل: كيف قال: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، وذلك يقتضي أنه هدى بعضاً دون بعض، وحق جوده وكرمه أن يعمهم بالهدى؟ قيل: إنه قد عمهم من حيت قد أباحه لهم وقيضه، لكن لم يهتد به الكل، فإن هدايته لا يدركها إلا من جلى بصيرته، وشحذ فهمه ليعرفه، فيهتدي به، وقد قال بعض الصالحين: ما أكثر الهدى وأقل من يرى، ألا ترى أن نجوم المساء ما أكثرها، ولا يهتدي بها إلا العلماء؟
قوله - عز وجل -:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
الآية (٢١٤) - سورة البقرة.
الزلزلة: شدة الحركة، وأصلها زل، ولزيادة المعنى زيد لفظه، وعلى هذا دل ودلدل، وما أشبهه به من المضعف مع الحرف المكرر بين تعالى أنه لا سبيل للناس كافة إلي الجنة إلا بتحمل المشاق، ولهذا

صفحة رقم 442

ولهذا قال عليه السلام:
" حفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات "، فخاطب هذه الأمة بأنه محال أن ترجو تحصيل الجنة إلا بما جرى به حكم الله في الذين سلفوا، وهو أن تنالكم البأساء أي الفقر، والضراء أي المصائب، والزلزلة أي المخاوف، وبذلك أثنى على المؤمنين فقال: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ وليس ذلك في الأمور الإلهية فقط، بل في عامة الملاذ لا سبيل إلى منحة إلا بمنحة، ولا إلى لذة إلا بشدة.
ولهذا قيل: ولابْد دُون الشهدِ من أثرِ النحلِ.
وقوله: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾، قيل معناه: " حتى يقول الرسول والمؤمنون متى نصر الله " على سبيل الإبطاء، ثم تل تداركوا، وعادوا إلى معرفتهم، فقالوا: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [قيل ليس ذلك على سبيل التضجر، بل على سبيل الدعاء والتضرع إخباراً منه تعالى على سبيل الآية لهم على سبيل الحكم، وقيل تقديره وزلزلوا حتى يقول الأتباع متى نصر الله، ويقول الرسول " ألا إن نصر الله قريب "] فجمع بين قولهم، كقولك: قال زيد وعمر وكذا وكذا الشيئين أحدهما قاله زيد والآخر قاله عمرو، وقرئ: (حتى يقول) بالرفع والنصب، ولكل واحد وجهان فأحد وجهي النصب معناه: إلى أن، والثاني معناه: كي يقول، وأحد وجهي الرفع أن يكون الفعلين ماضيين نحو: " مشيت حتى أدخل البصرة "، أي مشيت فدخلت والثاني: أن يكون ما بعد حتى لم يمض نحو: " مرض حتى لا يرجونه ".

صفحة رقم 443
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية