آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

والقدر فهي تقتضي التفضيل وإن لم يكن للكفار من القدر نصيب، كما قال تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان: ٢٤]، وتحتمل الآية أن المتقين هم في الآخرة في التنعم والفوز بالرحمة فوق ما هم هؤلاء فيه في دنياهم، وكذلك خير مستقرا من هؤلاء في نعمة الدنيا، فعلى هذا الاحتمال وقع التفضيل في أمر فيه اشتراك، وتحتمل هذه الآية أن يراد بالفوق المكان من حيث الجنة في السماء والنار في أسفل السافلين، فيعلم من ترتيب الأمكنة أن هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، وتحتمل الآيتان أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار، فإنهم كانوا يقولون: وإن كان معاد فلنا فيه الحظ أكثر مما لكم، ومنه حديث خباب مع العاصي بن وائل، وهذا كله من التحميلات حفظ لمذهب سيبويه والخليل في أن التفضيل إنما يجيء فيما فيه شركة، والكوفيون يجيزونه حيث لا اشتراك.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ يحتمل أن يكون المعنى: والله يرزق هؤلاء الكفرة في الدنيا فلا تستعظموا ذلك ولا تقيسوا عليه الآخرة، فإن الرزق ليس على قدر الكفر والإيمان بأن يحسب لهذا عمله ولهذا عمله فيرزقان بحساب ذلك، بل الرزق بغير حساب الأعمال، والأعمال ومجازاتها محاسبة ومعادة إذ أجزاء الجزاء تقابل أجزاء الفعل المجازى عليه، فالمعنى أن المؤمن وإن لم يرزق في الدنيا فهو فوق يوم القيامة، وتحتمل الآية أن يكون المعنى أن الله يرزق هؤلاء المستضعفين علو المنزلة بكونهم فوق، وما في ضمن ذلك من النعيم بغير حساب، فالآية تنبيه على عظم النعمة عليهم وجعل رزقهم بغير حساب، حيث هو دائم لا يتناهى، فهو لا ينفد، ويحتمل أن يكون بِغَيْرِ حِسابٍ صفة لرزق الله تعالى كيف تصرف، إذ هو جلت قدرته لا ينفق بعد، ففضله كله بغير حساب، ويحتمل أن يكون المعنى في الآية من حيث لا يحتسب هذا الذي يشاؤه الله، كأنه قال بغير احتساب من المرزوقين، كما قال تعالى: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: ٣]، وإن اعترض معترض على هذه الآية بقوله تعالى: عَطاءً حِساباً [النبأ: ٣٦]، فالمعنى في ذلك محسبا، وأيضا فلو كان عدا لكان الحساب في الجزاء والمثوبة لأنها معادة وغير الحساب في التفضل والإنعام.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٣ الى ٢١٤]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
قال أبي بن كعب وابن زيد: المراد ب النَّاسُ بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم، أي كانوا على الفطرة.

صفحة رقم 285

وقال مجاهد: «الناس آدم وحده».
وقال قوم: «آدم وحواء».
وقال ابن عباس وقتادة: النَّاسُ القرون التي كانت بين آدم ونوح، وهي عشرة، كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله تعالى نوحا فمن بعده.
وقال قوم: الناس نوح ومن في سفينته، كانوا مسلمين ثم بعد ذلك اختلفوا.
وقال ابن عباس أيضا: كان الناس أمة واحدة كفارا، يريد في مدة نوح حين بعثه الله، وكانَ على هذه الأقوال هي على بابها من المضي المنقضي، وتحتمل الآية معنى سابعا وهو أن يخبر عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق. لولا منّ الله عليهم وتفضله بالرسل إليهم، ف كانَ على هذا الثبوت لا تختص بالمضي فقط، وذلك كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء: ٩٦- ٩٩- ١٠٠- ١٥٢، الفرقان: ٧٠، الأحزاب: ٥- ٥٩، الفتح: ١٤]، والأمة الجماعة على المقصد الواحد، ويسمى الواحد أمة إذا كان منفردا بمقصد، ومنه قول النبي ﷺ في قس بن ساعدة: «يحشر يوم القيامة أمة وحده»، وقرأ أبي بن كعب «كان البشر أمة واحدة»، وقرأ ابن مسعود «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث»، وكل من قدر النَّاسُ في الآية مؤمنين قدر في الكلام فاختلفوا، وكل من قدرهم كفارا كانت بعثة النَّبِيِّينَ إليهم، وأول الرسل على ما ورد في الصحيح في حديث الشفاعة نوح، لأن الناس يقولون له: أنت أول الرسل، والمعنى إلى تقويم كفار وإلا فآدم مرسل إلى بنيه يعلمهم الدين والإيمان، ومُبَشِّرِينَ معناه بالثواب على الطاعة، ومُنْذِرِينَ معناه من العقاب على المعاصي، ونصب اللفظتين على الحال، والْكِتابَ اسم الجنس، والمعنى جميع الكتب.
وقال الطبري: «الألف واللام في الكتاب للعهد، والمراد التوراة»، ولِيَحْكُمَ مسند إلى الكتاب في قول الجمهور.
وقال قوم: المعنى ليحكم الله، وقرأ الجحدري «ليحكم» على بناء الفعل للمفعول، وحكى عنه مكي «لنحكم».
قال القاضي أبو محمد: وأظنه تصحيفا لأنه لم يحك عنه البناء للمفعول كما حكى الناس، والضمير في فِيهِ عائد على مَا من قوله: فِيمَا، والضمير في فِيهِ الثانية يحتمل العود على الكتاب ويحتمل على الضمير الذي قبله، والذين أوتوه أرباب العلم به والدراسة له، وخصهم بالذكر تنبيها منه تعالى على الشنعة في فعلهم والقبح الذي واقعوه. والْبَيِّناتُ الدلالات والحجج، وبَغْياً منصوب على المفعول له، والبغي التعدي بالباطل، و «هدى» معناه أرشد، وذلك خلق الإيمان في قلوبهم، وقد تقدم ذكر وجوه الهدى في سورة الحمد، والمراد ب الَّذِينَ آمَنُوا. من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فقالت طائفة: معنى الآية: أن الأمم كذب بعضهم كتاب بعض فهدى الله أمة محمد التصديق بجميعها.

صفحة رقم 286

وقالت طائفة: إن الله هدى المؤمنين للحق فيما اختلف فيه أهل الكتابين من قولهم: إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا.
وقال ابن زيد: من قبلتهم، فإن قبلة اليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى المشرق، ومن يوم الجمعة فإن النبي ﷺ قال: «هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فلليهود غد، وللنصارى بعد غد»، ومن صيامهم وجميع ما اختلفوا فيه.
وقال الفراء: في الكلام قلب، واختاره الطبري، قال: وتقديره فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه. ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا في الحق فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه وعساه غير الحق في نفسه، نحا إلى هذا الطبري في حكايته عن الفراء.
قال القاضي أبو محمد: وادعاء القلب على لفظ كتاب الله دون ضرورة تدفع إلى ذلك عجز وسوء نظر، وذلك أن الكلام يتخرج على وجهه ورصفه، لأن قوله فَهَدَى يقتضي أنهم أصابوا الحق، وتم المعنى في قوله فِيهِ، وتبين بقوله مِنَ الْحَقِّ جنس ما وقع الخلاف فيه.
قال المهدوي: «وقدم لفظ الخلاف على لفظ الحق اهتماما، إذ العناية إنما هي بذكر الاختلاف».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وليس هذا عندي بقوي، وفي قراءة عبد الله بن مسعود «لما اختلفوا عنه من الحق» أي عن الإسلام.
وبِإِذْنِهِ قال الزجّاج: معناه بعلمه، وقيل: بأمره، والإذن هو العلم والتمكين، فإن اقترن بذلك أمر صار أقوى من الإذن بمزية، وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ رد على المعتزلة في قولهم إن العبد يستبد بهداية نفسه.
وقوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ الآية، أَمْ قد تجيء لابتداء كلام بعد كلام وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة ألف استفهام، وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام يبتدأ بها، وحَسِبْتُمْ تطلب مفعولين، فقال النحاة أَنْ تَدْخُلُوا تسد مسد المفعولين لأن الجملة التي بعد أَنْ مستوفاة المعنى، ويصح أن يكون المفعول الثاني محذوفا، تقديره أحسبتم دخولكم الجنة واقعا، ولَمَّا، ولا يظهر أن يتقدر المفعول الثاني في قوله وَلَمَّا يَأْتِكُمْ بتقدير أحسبتم دخولكم الجنة خلوا من أن يصيبكم ما أصاب من قبلكم، لأن خَلَوْا حال، والحال هنا إنما تأتي بعد توفية المفعولين، والمفعولان هما الابتداء والخبر قبل دخول حسب، والْبَأْساءُ: في المال، والضَّرَّاءُ: في البدن، وخَلَوْا معناه انقرضوا، أي صاروا في خلاء من الأرض. وهذه الآية نزلت في قصة الأحزاب حين حصروا رسول الله ﷺ وأصحابه في المدينة، هذا قول قتادة والسدي وأكثر المفسرين.
وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم وفتنوا هم قبل ذلك، ومَثَلُ معناه شبه، فالتقدير شبه آتى الذين خَلَوْا، والزلزلة شدة التحريك، تكون في الأشخاص وفي الأحوال، ومذهب سيبوية أن «زلزل» رباعي ك «دحرج».

صفحة رقم 287
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية