
يتجلى توحيد الذات وهو أعلى الدرجات فعلى العاقل إكثار ذكر الله فانه سبب لتصفية الباطن وصقالة القلب قال تعالى وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولا فلاح أعظم من ان يصل الطالب الى المطلوب اللهم اجعلنا مفلحين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بألسنتهم على ان الخطاب للمنافقين ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً اى استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملة ظاهرا وباطنا. فالسلم بمعنى الاستسلام والطاعة وكافة حال من ضمير الفاعل في ادخلوا وهذه حال تؤكد معنى العموم في ضمير الجمع فان قولك قام القوم كافة بمنزلة قاموا كلهم وتاء كافة وقاطبة وعامة ليست للتأنيث وان كان أصلها ان تدل عليه بل انما دخلت لمجرد كون الكلمة منقولة الى معنى كل وجميع او المعنى ادخلوا في الإسلام بكليته ولا تخلطوا به غيره فالخطاب لمؤمنى اهل الكتاب فانهم كانوا يراعون بعض احكام دينهم القديم كما روى ان عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يتمسكون ببعض شرائع التوراة من تعظيم السبت وتحريم لحم الإبل وألبانها وأشياء كانوا يرون الكف عن ذلك مباحا في الإسلام وان كان واجبا في شريعتهم فثبتوا على ذلك مع اعتقادهم حلها استيحاشا من مفارقة العادة وقالوا يا رسول الله ان التوراة كتاب الله فدعنا فلنقرأ منها في صلاتنا بالليل فقال عليه السلام (لا تتمسكوا بشئ مما نسخ ودعوا ما ألفتموه ولا تستوحشوا من النزوع عنه) فانه لا وحشة مع الحق وانما هو من تزيين الشيطان وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ جمع خطوة بالضم والسكون وهو ما بين القدمين اى لا تسلكوا مسالكه ولا تطيعوه فيما دعاكم اليه من السبل الزائغة والوساوس الباطلة إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة يريد ان يفسد عليكم بهذه الوساوس إسلامكم فَإِنْ زَلَلْتُمْ الزلل في الأصل عثرة القدم ثم يستعمل في العدول عن الاعتقاد الحق والعمل الصائب فالمعنى اخطأتم الحق وتعديتموه علما كان او عملا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ اى الحجج والشواهد على ان ما دعيتم الى الدخول فيه هو الحق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على امره لا يعجزه الانتقام منكم حَكِيمٌ لا ينتقم الا بالحق وفي الآية تهديد بليغ لاهل الزلل عن الدخول في السلم فان الوالد إذا قال لولده ان عصيتنى فانت عارف بي وبشدة سطوتى لاهل المخالفة يكون قوله هذا ابلغ في الزجر من ذكر الضرب وغيره وكما انها مشتملة على الوعيد منبئة عن الوعد ايضا من حيث انه تعالى اتبعه بقوله حكيم فان اللائق بالحكمة ان يميز بين المحسن والمسيئ فكما يحسن ان ينتظر من الحكيم تعذيب المسيئ فكذلك ينتظر منه إكرام المحسن واثابته بل هذا أليق بالحكمة واقرب الى الرحمة هَلْ يَنْظُرُونَ استفهام في معنى النفي ونظر بمعنى انتظر اى ينتظر من بترك الدخول في السلم ويتبع خطوات الشيطان إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ اى الا إتيان الله اى عذابه على حذف المضاف لان الله تعالى منزه عن المجيء والذهاب المستلزمين للحركة والسكون لان كل ذلك محدث فيكون كل ما يصح عليه المجيء والذهاب محدثا مخلوقا له والإله القديم يستحيل ان يكون كذلك. وسئل على رضى الله عنه أين كان تعالى قبل خلق السموات والأرض قال أين سؤال عن المكان وكان الله تعالى ولا مكان وهو اليوم على ما كان ومذهب المتقدمين في هذه الآية وما شاكلها ان يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها الى الله لانه لا يأمن في تعيين مراد
صفحة رقم 325
الله تعالى من الخطأ فالاولى السكوت ومذهب جمهور المتكلمين ان لا بد من التأويل على سبيل التفصيل فِي ظُلَلٍ كائنة مِنَ الْغَمامِ والظلل جمع ظلة وهي ما أظلك والغمام السحاب الأبيض الرقيق سمى غماما لانه يغم اى يستر ولا يكون السحاب ظلة الا إذا كان مجتمعا متراكما فالظلل من الغمام عبارة عن قطع متفرقة كل قطعة تكون في غاية الكثافة والعظم وكل قطعة ظلة وَالْمَلائِكَةُ اى ويأتيهم الملائكة فانهم وسائط في إتيان امره تعالى بل هم الآتون ببأسه على الحقيقة. وتلخيصه قد قامت الحجج فلم يبق الا نزول العذاب فان قلت لم لم يأتهم العذاب في الغمام كما فعل بقوم يونس وقوم عاد وقوم شعيب قلت لان الغمام مظنة الرحمة فاذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول لان الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم كما ان الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب
كان أسر فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الخير اى الغيث ومن ثمه اشتد على المتفكرين في كتاب الله تعالى قوله وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فان تفسيره على ما قالوا عملوا أعمالا حسبوها حسنات فاذا هي سيآت وذلك لتجويزهم ان يكون عملهم كذلك فيجيئهم الشر من حيث يتوقعون الخير فخافوا من ذلك- روى- أن محمد بن واسع تلا هذه الآية فقال آه آه الى ان فارق الدنيا وَقُضِيَ الْأَمْرُ اى أتم امر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على يأتيهم داخل في حيز الانتظار وانما عدل الى صيغة الماضي دلالة على الحقيقة فكأنه قد كان وَإِلَى اللَّهِ لا الى غيره تُرْجَعُ الْأُمُورُ اى امور الخلق وأعمالهم هو القاضي بينهم يوم القيامة والمثيب والمعاقب فينبغى للمؤمن ان يكون في جانب الانقياد ويحترز عن الهوى وخطوات الشيطان وعن النبي عليه السلام انه قال (ان الله تعالى اظهر الشكاية من أمتي) وقال (انى طردت الشيطان لاجلهم فهم يعصوننى.
ويطيعون الشيطان) : قال السعدي قدس سره كجا سر بر آريم ازين عار وننك كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ نظر دوست نادر كند سوى تو چودر روى دشمن بود روى تو ندانى كه كمتر نهد دوست پاى چوبيند كه دشمن بود در سراى فمن أعظم الطاعات طرد الشيطان وأن يتهم النفس دائما كما روى ان رجلا صام أربعين سنة ثم دعا الحاجة ومع ذلك لم تجب دعوته وذم نفسه وقال يا مأوى الشر ذلك من شرك فاوحى الى نبى ذلك الزمان قل له ان قتلك لنفسك أحب الى من صيام أربعين سنة: قال السعدي
خورنده كه خيرى بر آيد ز دست | به از صائم الدهر دنيا پرست |

حيث جعلوا ما انزل لا زالة الاختلاف سببا لاستحكامه ورسوخه مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ اى رسخت في عقولهم ومن متعلق بما اختلف ولم تمنع الا من ذلك كقولك ما قام الا زيد يوم الجمعة بَغْياً بَيْنَهُمْ مفعول له لقوله وما اختلف فالاستثناء متعلق بثلاثة أشياء والتقدير وما اختلف فيه الا الذين إلخ وما اختلفوا فيه الا من بعد إلخ وما كان الاختلاف الا للبغى والتهالك على الدنيا وللحسد والظلم كما فعل قابيل بهابيل وما قتله لاشكال الحق عليه بل حسدا منه على أخيه وهكذا في كل عصر وهذا فعل الرؤساء ثم العامة اتباعا لهم وفعلهم مضاف إليهم فتبين ان الاختلاف في الحق امر متقادم في الإسلام فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالكتاب لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ متعلق بهدى وما موصولة ومعناه هدى الى ما اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ بيان لما بِإِذْنِهِ اى بأمره وتيسيره ولطفه وإرادته ورحمته حتى ابصروا الحق بنور التوفيق من الباطل وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل سالكه أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ خاطب به النبي عليه السلام والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجئ الآيات تشجيعا لهم على الثبات على المصابرة على مخالفة الكفرة فان عاقبة الأمر النصر. وأم منقطعة الاخبار المتقدم الى الإنكار المدلول عليه بهمزة الاستفهام اى ما كان ينبغى ان تحسبوا ذلك فتقدر ببل والهمزة قيل إضراب عن وتظنوا او لم حسبتموه وَلَمَّا يَأْتِكُمْ اى والحال لم يجئكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا اى صفة الذين مضوا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين ولم تبتلوا بعد بما ابتلوا به من الأحوال الهائلة التي هي مثل في الفظاعة والشدة وهو متوقع ومنتظر مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ بيان له على الاستئناف كأنه قيل كيف ن ن مثلهم وحالهم العجيبة فقيل مستهم البأساء اى الشدة من الخوف والفاقة وَالضَّرَّاءُ اى الآلام والأمراض وَزُلْزِلُوا اى ازعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى انتهى أمرهم من الشدة الى حيث اضطرهم الضجر الى ان يقول الرسول وهو اعلم الناس بشؤون الله وأوثقهم بنصره والمؤمنون المقتدون بآثاره المستضيئون بانواره مَتى اى يأتى نَصْرُ اللَّهِ الذي وعدناه طلبا وتمنيا له واستطالة لمدة الشدة والعناء فان الشدة وان قصر فهو طويل في عين المبتلى بها فلا محالة يستبطئ النصر فاجابهم الله بقوله أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ إسعافا لهم الى طلبتهم من عاجل النصر اى أنا ناصر أوليائى لا محالة ونصرى قريب منهم فان كل آت قريب ولما كان الجواب بذكر القرب دل ذلك على ان السؤال كان واقعا عن زمان النصر أقريب هو أم بعيد ولو كان السؤال عن وقوع أصل النصر بمعنى انه هل يوجد أولا لما كان الجواب مطابقا للسؤال وفي الآية اشارة الى ان الوصول الى الله والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه السلام (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) كذا في تفسير القاضي: ونعم ما قيل
فلك مشام كسى خوش كند ببوى مراد | كه خاك معركه باشد عبير وعنبر او |