آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
تفسير المفردات
المثل: الوصف العظيم والحال التي لها شأن بحيث يضرب بها المثل، والبأساء: الشدة تصيب الإنسان في غير نفسه وبدنه، كأخذ المال، والإخراج من الديار، وتهديد الأمن، ومقاومة الدعوة، والضرّاء ما يصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض، والزلزال:
الاضطراب في الأمر يتكرر حتى يكاد يزل صاحبه كما قال تعالى في المؤمنين يوم الأحزاب:
«وزلزلوا زلزالا شديدا».
المعنى الجملي
بعد أن أمر الله تعالى بالوفاق والسلام، وأرشد إلى حاجة البشر إلى معونة بعضهم بعضا لكثرة المطالب وتعدد الرغبات، وذلك مما يدعو إلى التنازع والتعادي، فدعا ذلك إلى وضع نظام جامع وشرع يحدّد الحقوق ويهدى العقول إلى ما لا مجال للنزاع فيه، لما فيه من البينات الدالة على أنه من عند الله، ثم ذكر إحسان الله إلى عباده، إذ بعث فيهم الأنبياء وأنزل عليهم الكتاب ليحكم فيما اختلفوا فيه، ثم ذكر اختلاف الذين أوتوا الكتاب في كتابهم، واتخاذهم آلة الوفاق طريقا للخلاف، وبعدئذ بيّن أن الله هدى أهل الإيمان الصحيح لما وقع فيه الاختلاف من الحق بالرجوع إلى الكتاب وتحكيمه في كل خلاف، ثم أشار إلى أن الذين يحاولون الخروج من الخلاف يكونون

صفحة رقم 126

عرضة لبغى المختلفين وإيذائهم، وإن كانوا يريدون الخير لهم، حثّ المؤمنين هنا على الثبات والمصابرة في تحمل المشاقّ التي تصيبهم من الكفار، كما لقى الأنبياء ومن معهم من أمثالهم من الشدائد ومقاساة الهموم، وكان عاقبة أمرهم الفلج والنصر عليهم.
روى أن الآية نزلت في غزوة أحد حين غلب المشركون المؤمنين، وشجوا رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وكسروا رباعيته
، وقيل نزلت في غزوة الأحزاب حين اجتمع المشركون مع أهل الكتاب وتحالفوا على الإيقاع بالمسلمين، وأصاب المؤمنين يومئذ جهد وشدة وجوع وضروب من الأذى، وأبدى المنافقون صفحة العداوة والبغضاء للمؤمنين الصادقين وقالوا كما قال الذين في قلوبهم مرض «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً» وقال صادقو الإيمان على قلتهم وضعفهم وجوعهم وعريهم: «هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً»
الإيضاح
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) هذا خطاب للذين هداهم الله إلى السلم والخروج من ظلمة الخلاف إلى نور الوفاق باتباعهم هدى الكتاب زمن التنزيل، وهم أهل الصدر الأول من المسلمين، وفيه العبرة لمن يأتي بعدهم ويظنون أن في انتسابهم إلى الإسلام الكفاية في دخول الجنة، جهلا منهم بسنة الله في أهل الهدى منذ أن خلقهم أن يتحملوا الشدائد والإيذاء في طريق الحقّ وهداية الخلق.
والخلاصة- إنه قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا، أفتصبرون مثلهم على المكاره وتثبتون على الشدائد كما ثبتوا، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان الله من غير أن تفتنوا في سبيل الحق، فتصبروا على ألم الفتنة، وتؤذوا في الله، فتصبروا على الإيذاء كما هى سنة الله في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان؟

صفحة رقم 127

ثم بين ما أصاب الأمم قبلهم من الشدائد فقال:
(مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟) أي إن أولئك السابقين كانوا إذا أصابهم البؤس والضر ووقعوا في حال من الاضطراب والزلزلة من شدة الهول، وقد أحاط بهم أعداء الحق من كل جانب اعتقدوا أن النصر الذي وعد الله به من ينصره قد أبطأ فاستعجلوه بقولهم:
(مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟).
فأجابهم الله بقوله:
(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) فهو سينصركم على عدوكم، ويكفيكم شرّ أهل البغي ويؤيد دعوتكم، ويجعل كلمتكم العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
ونحو الآية قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وقوله:
«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»
.
والمسلمون لم يصلوا في الشدة إلى مثل الحال التي نال فيها أولئك الرسل ما نالوا، فقد قتل بعض النبيين وأصابهم ضروب من الإيذاء حتى قيل إن منهم من نشر بالمنشار وهو حىّ، وأحرق بعض بالنار كما فعل أصحاب الأخدود الذين أحرقوا المؤمنين فيه بالنار «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».
فليتأمل المسلمون وليعتبروا بما خوطب به أصحاب النبي ﷺ وهم موضع التجلة والاحترام، وكيف عوتبوا هذا العتاب الشديد على ظنهم أنهم يدخلون الجنة وهم لم يقاسوا من البأساء والضرّاء واحتمال الشدائد في سبيل نصرة الدين، مثل ما قاسى الذين سبقوهم بالإيمان حتى استحقوا الجنة، فكيف لا يعاتب المسلم نفسه (وهو يعلم

صفحة رقم 128
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية