آيات من القرآن الكريم

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

وقوله تعالى: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ يقال: غلظ الشيء يغلظ غلظا في الخلقة، ثم يقال: رجل غليظ: إذا كان فظا، وغلظ له القول وأغلظ: إذا لم يرفق به، وهذا نحو قوله: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣]، قال أهل المعاني: (وهي قوة القلب على إحلال الألم بصاحبه، كما (١) أن الرقة ضعف القلب عن ذلك) (٢).
قال ابن عباس: (يريد شدة الانتهار، والنظر بالبغضة، والمقت) (٣).
وقال ابن مسعود: (هو أن تكفهر في وجوههم) (٤)، قال عطاء: (وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصفح) (٥).
٧٤ - قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ الآية، نزلت حين بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المنافقين يسيؤون فيه القول ويطعنون فيه، وفي الدين والقرآن، فأنكر ذلك عليهم فحلفوا ما قالوا فكذبهم الله تعالى فقال: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ (٦) يعني سبهم الرسول، وطعنهم في الدين، وقال قتادة: (قالوا (٧): ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون:

(١) في (ى): (على).
(٢) "البرهان" للحوفي ١١/ ٢٣٤ مختصرًا.
(٣) "زاد المسير" ٣/ ٤٧٠.
(٤) سبق تخريجه عند تفسير أول هذه الآية.
(٥) رواه الثعلبي في "تفسيره" ٦/ ١٢٧ ب، والبغوي ٤/ ٧٤، وذهب إلى هذا القول القرطبي في "تفسيره" ٨/ ٢٠٥، والصواب عدم النسخ، وقد سبق بيان ذلك وذكر أقوال بعض العلماء عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١].
(٦) انظر: "تفسير ابن جرير" ١٠/ ١٨٥، والثعلبي ٦/ ١٢٧ ب، و"أسباب النزول" للمؤلف ص ٢٥٦.
(٧) ساقطة من (ي).

صفحة رقم 553

٨] فسعي بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعاهم فحلفوا ما قالوا) (١)، وكان هذا في غزوة تبوك (٢)، وقال السدي: (قالوا: إذا قدمنا المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبي تاجًا يباهي به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾، قال ابن عباس ومجاهد: (هم المنافقون بقتل المؤمن الذي أنكر عليهم طعنهم في الرسول (٤)، قال (٥): وهو عامر بن قيس (٦) الذي سعى بهم، وقال السدي: (هو أنهم لم ينالوا ما

(١) رواه بنحوه ابن جرير ١٠/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٤٢ - ١٨٤٣، والثعلبي ٦/ ١٢ ب.
(٢) قوله: (وكان هذا في غزوة تبوك) ليس من كلام قتادة وفيه نظر؛ لأن القائل: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) عبد الله بن أُبي كما في "صحيح البخاري" (٣٥١٨)، كتاب: المناقب، باب: ما ينهى عن دعوى الجاهلية، و"صحيح مسلم" (٢٧٧٢)، كتاب: صفات المنافقين، وقد بين الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ٦/ ٥٤٧ أن ذلك كان في غزوة المريسيع، وكذلك ابن إسحاق كما في "السيرة النبوية" ٣/ ٣٣٤ - ٣٣٦ ثم إن أبيا كان ممن تخلف عن غزوة تبوك، كما في المصدر السابق ٤/ ٤٠٧ - ٢٠٨.
(٣) رواه الثعلي في "تفسيره" ٦/ ١٢ ب، وبنحوه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٤٣ - ١٨٤٤.
(٤) ذكره عن ابن عباس -رضي الله عنه- ابن الجوزي ٣/ ٤٧٠، ورواه الثعلبي ٦/ ١٢٨ أعن الكلبي، كما رواه عن مجاهد الإمام ابن جرير ١٠/ ١٨٧، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٥٤، والثعلبي ٦/ ١٢ ب، والبغوي ٤/ ٧٥.
(٥) ساقط من (ى): والقائل ابن عباس كما في تفسير الثعلبي وابن الجوزي، ولم يصح عنه لأنه من رواية الكلبي.
(٦) هكذا رواه الكلبي عن ابن عباس، وقد روى ابن أبي حاتم ٦/ ١٨٤٣، ٧٠/ أعن ابن عباس، وكعب بن مالك أن المؤمن هو: عمير بن سعد، وكذلك أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن عروة، كما في "الدر المنثور" ٤/ ٤٦٤، وانظر: "السيرة النبوية" ٤/ ٢٠٨، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" ٢/ ٢٥٦: =

صفحة رقم 554

هموا به من عقد التاج على رأس عبد الله بن أبي) (١)، وقال الكلبي: (هموا أن يفتكوا بالنبي - ﷺ - ليلاً ويغتالوه فأعلمه الله ذلك فأمر من نحاهم عن طريقه وسماهم رجلاً رجلاً، وكانوا خمسة عشر رجلاً) (٢)، وهذا اختيار أبي إسحاق (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، قال ابن عباس: (يريد مما كانوا غنموا حتى صارت لهم العقد (٤) والأموال من العين (٥) والحيوان) (٦).

= (عامر بن قيس الأنصاري، ابن عم الجلاس بن سويد، ذكره موسى بن عقبة في "المغازي"، وأنه أحد من سمع الجلاس بن سويد يقول: إن كان ما يقول محمد حقًا لنحن شر من الحمر، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فحلف الجلاس ما قال ذلك، فنزلت ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ الآية، وكذلك ذكره أبو الأسود عن عروة، ونقله الثعلبي عن قتادة والسدي، والقصة مشهورة لعمير بن سعد).
وعمير بن سعد هو: عمير بن سعد بن عبيد الأوسي الأنصاري، كان يتيمًا في حجر الجلاس بن سويد، وشهد فتوح الشام، وكان يعجب عمر بن الخطاب، ويسميه نسيج وحده، وولاه حمص، فقام بعمله خير قيام مع الزهد والورع، وتوفي في خلافة عمر وقيل غير ذلك.
انظر: "سير أعلام النبلاء" ٢/ ١٠٣، و"الإصابة" ٣/ ٣٢.
(١) رواه بمعناه الثعلبي ٦/ ١٢ ب.
(٢) رواه الثعلبي ٦/ ١٢ ب، وذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥١٢.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦١.
(٤) في"تهذيب اللغة" (عقد) ٣/ ٢٥١٢. العقد: كل ما يعتقده الإنسان من العقار فهو عقدة له. وفي "القاموس المحيط" فصل العين، باب: الدال ص٣٠٠: العقدة: الولاية على البلد، ج: كصرد، والضيعة والعقار الذي اعتقده صاحبه ملكًا.
(٥) العين: الدينار والذهب. انظر: "القاموس المحيط" (عين) ص ١٢١٨، و"لسان العرب" (عين) ٦/ ٣١٩٨.
(٦) ذكره المؤلف فى "الوسيط" ٢/ ٥١٢

صفحة رقم 555

وقال الكلبي: (كانوا قبل قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم-، في ضنك من عيشهم لا يركبون الخيل، ولا يحوزون الغنيمة، فلما قدم عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استغنوا بالغنائم) (١)، وذكرنا معنى ﴿نَقَمُوا﴾ عند قوله: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا﴾ [المائدة: ٥٩] (٢).
قال أهل المعاني في هذه الآية: (إنهم عملوا بضد الواجب فجعلوا موضع شكر الغني أن نقموه فهذا معنى قوله: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ﴾ (٣) ويجوز أن يكون المعنى: إنهم بطروا النعمة (٤) بالغني فنقموا بطرُا وأشرًا (٥)، وقال ابن قتيبة: (أي: ليس ينقمون شيئًا ولا يتعرفون من الله إلا الصنع (٦)، [وهذا كقول الشاعر:

ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا] (٧)
وهذا ليس مما ينقم، وإنما أراد: إن الناس لا ينقمون عليهم (٨) شيئا كقول النابغة:
(١) رواه الثعلبي ٦/ ١٢٩ أ، والبغوي ٤/ ٧٥، وذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥١٢، وابن الجوزي ٣/ ٤٧٢، والقرطبي ٨/ ٢٠٨.
(٢) انظر: النسخة (ح) ٢/ ٤٠ أوقد قال في هذا الموضع: (قوله تعالى: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا﴾ يقال: نقمت على الرجل أنقم، ونقمت عليه أنقم، والأجود فتح الماضي، وهو الأكثر في القراءة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البروج: ٨] ومعنى نقمت: بالغت في كراهة الشيء، فمعنى (تنقمون) أي تكرهون وتنكرون).
(٣) "البرهان" للحوفي ١١/ ٢٤٥ بمعناه.
(٤) في (ح): (ذو النعمة).
(٥) في (ى): (شرًّا).
(٦) في (ح): (لصنيع)، وما في (ى) موافق لما في "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، والصنع: مصدر قولك: صنع إليه معروفًا وجميلًا. انظر: "اللسان" (صنع).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ح) والبيت لابن قيس الرقيات.
(٨) في (ح): (عليه)، وما أثبته موافق لما في "تفسير غريب القرآن".

صفحة رقم 556

ولا عيب فيهم غير إن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب (١)
أي ليس فيهم عيب) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ﴾، قال الكلبي: (لما نزلت هذه الآية قام (٣) الجلاس بن سويد (٤)، وكان ممن طعن علي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أسمع الله قد عرض علي التوبة، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه بما قلته فقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توبته) (٥)، ونحو هذا روى عطاء عن ابن عباس.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَوَلَّوْا﴾ أي يعرضوا عن الإيمان، قال ابن عباس: ([يريد كما تولى ابن أبي) (٦). ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا﴾ بالقتل، قال الزجاج] (٧): (لأنهم (٨) أمر بقتلهم) (٩) وفي ﴿الْآخِرَةِ﴾: بالنار، ﴿وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾، قال عطاء: (يريد لا يتولاهم أحد من الأنصار) (١٠).
(١) انظر: "ديوان النابغة الذبياني" ص ٤٤، و"إصلاح المنطق" ص ٢٩، و"خزانة الأدب" ٣/ ٣٢٧.
(٢) "تفسير غريب القرآن" ص ١٩٨.
(٣) في (ى): (قال).
(٤) هو: جلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري، كان من المنافقين ثم تاب وحسنت توبته، وكان زوج أم عمير بن سعد، وكان عمير في حجره، فسمعه يقول: لئن كان محمد صادقًا لنحن شر من الحمير، فبلغ عمير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونزل في الجلاس قرآن، ثم تاب وأحسن لعمير. انظر: "الاستيعاب" ١/ ٣٣٠، و"الإصابة" ١/ ٢٤١.
(٥) رواه الثعلبي ٦/ ١٢٨ أ، والبغوي ٤/ ٧٤.
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٧٢، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥١٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٨) في (م): (لأنه). وما أثبته موافق للمصدر التالي.
(٩) اهـ. كلام الزجاج، و"معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٢، وعذاب الله في الدنيا أشمل من القتل، ولعل مراد الزجاج أن المنافق إذا أظهر كفره جاز قتله.
(١٠) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥١٢ عن ابن عباس.

صفحة رقم 557
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية