آيات من القرآن الكريم

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

وكيف لا نرضى يا ربنا؟ فيقول إني سأعطيكم أفضل من هذا كله، رضواني أرضى عليكم فلا أسخط عليكم أبدا، الحديث، وقوله أَكْبَرُ يريد أكبر من جميع ما تقدم، ومعنى الآية والحديث متفق، وقال الحسن بن أبي الحسن وصل إلى قلوبهم برضوان الله من اللذة والسرور ما هو ألذ عندهم وأقر لأعينهم من كل شيء أصابوه من لذة الجنة.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر أن يكون قوله تعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ إشارة إلى منازل المقربين الشاربين من تسنيم والذين يرون كما يرى النجم الفائر في الأفق، وجميع من في الجنة راض والمنازل مختلفة، وفضل الله تعالى متسع، والْفَوْزُ النجاة والخلاص ومن أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران: ١٨٥] والمقربون هم في الفوز العظيم، والعبارة عندي عن حالهم بسرور وكمال أجود من العبارة عنها بلذة، واللذة أيضا مستعملة في هذا.
قوله عز وجل:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٤]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤)
قوله جاهِدِ مأخوذ من بلوغ الجهد وهي مقصود بها المكافحة والمخالفة، وتتنوع بحسب المجاهد فجهاد الكافر المعلن بالسيف، وجهاد المنافق المتستر باللسان والتعنيف والاكفهرار في وجهه، ونحو ذلك، ألا ترى أن من ألفاظ الشرع قوله ﷺ «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله»، فجهاد النفس إنما هو مصابرتها باتباع الحق وترك الشهوات، فهذا الذي يليق بمعنى هذه الآية لكنا نجلب قول المفسرين نصا لتكون معرضة للنظر، قال الزجّاج: وهو متعلق في ذلك بألفاظ ابن مسعود: أمر في هذه الآية بجهاد الكفار والمنافقين بالسيف، وأبيح له فيها قتل المنافقين، قال ابن مسعود: إن قدر وإلا فباللسان وإلا فبالقلب والاكفهرار في الوجه.
قال القاضي أبو محمد: والقتل لا يكون إلا مع التجليح ومن جلح خرج عن رتبة النفاق، وقال ابن عباس: المعنى «جاهد المنافقين» باللسان، وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى جاهد المنافقين بإقامة الحدود عليهم، قال: وأكثر ما كانت الحدود يومئذ تصيب المنافقين.
قال القاضي أبو محمد: ووجه ترك رسول الله ﷺ المنافقين بالمدينة أنهم لم يكونوا مجلحين بل كان كل مغموص عليه إذا وقف ادعى الإسلام، فكان في تركهم إبقاء وحياطة للإسلام ومخافة أن تنفر العرب إذا سمعت أن محمدا ﷺ يقتل من يظهر الإسلام، وقد أوجبت هذا المعنى في صدر سورة البقرة، ومذهب الطبري أن النبي ﷺ كان يعرفهم ويسترهم، وأما قوله

صفحة رقم 59

تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ فلفظة عامة تتصرف في الأفعال والأقوال واللحظات، ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ [آل عمران: ١٥٩] ومنه قول النسوة لعمر بن الخطاب: أنت أفظ من رسول الله ﷺ ومعنى الغلظ خشن الجانب فهي ضد قوله تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٢١٥] ثم جرت الآية المؤمنين عليهم في عقب الأمر بإخباره أنهم في جهنم، والمعنى هم أهل لجميع ما أمرت أن تفعل بهم، و «المأوى» حيث يأوي الإنسان ويستقر، وقوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا الآية، هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، وذلك كأنه كان يأتي من قباء ومعه ابن امرأته عمير بن سعد فيما قال ابن إسحاق، وقال عروة اسمه مصعب، وقال غيره وهما على حمارين.
وكان رسول الله ﷺ قد سمى قوما ممن اتهمهم بالنفاق، وقال إنهم رجس، فقال الجلاس للذي كان يسير معه: والله ما هؤلاء الذين سمى محمد إلا كبراؤنا وسادتنا، ولئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من حمرنا هذه، فقال له ربيبه أو الرجل الآخر؟ والله إنه لحق، وإنك لشر من حمارك، ثم خشي الرجل من أن يلحقه في دينه درك، فخرج وأخبر رسول الله ﷺ بالقصة فأرسل النبي ﷺ في الجلاس فقرره فحلف بالله ما قال، فنزلت هذه الآية، والإشارة ب كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى قوله: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمر، إن التكذيب في قوة هذا الكلام، قال مجاهد وكان الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله ﷺ بقولك هم بقتله، ثم لم يفعل عجزا عن ذلك فإلى هذا هي الإشارة بقوله وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وقال قتادة بن دعامة: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك أن سنان بن وبرة الأنصاري والجهجاه الغفاري كسع أحدهما رجل الآخر في غزوة المريسيع، فثاروا، فصاح جهجاه بالأنصار وصاح سنان بالمهاجرين، فثار الناس فهدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: ما أرى هؤلاء إلا قد تداعوا علينا، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فوقفه فحلف أنه لم يقل ذلك، فنزلت الآية مكذبة له، والإشارة ب كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى تمثيله: سمن كلبك يأكلك، قال قتادة والإشارة ب هَمُّوا إلى قوله لئن رجعنا إلى المدينة، وقال الحسن هم المنافقون من إظهار الشرك ومكابرة النبي ﷺ بما لم ينالوا، وقال تعالى: بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ولم يقل بعد إيمانهم لأن ذلك لم يتجاوز ألسنتهم، وقوله تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، معناه أن رسول الله ﷺ أنفذ لعبد الله بن أبي ابن سلول دية كانت قد تعطلت له، ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا، وقيل بل كانت للجلاس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الخلاف المتقدم فيمن نزلت الآية من أولها، وتقدم اختلاف القراء في نَقَمُوا في سورة الأعراف، وقرأها أبو حيوة وابن أبي عبلة بكسر القاف، وهي لغة، وقوله إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ استثناء من غير الأول كما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فكأن الكلام وما نقموا إلا ما حقه أن يشكر، وقال مجاهد في قوله وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا إنها نزلت

صفحة رقم 60
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية