
الصدقة: ما ينفقه المؤمن قربة لله. تطهرهم: تمحو ذنوبهم. وتزكّيهم: تصلحهم وترفعهم الى منازل الابرار. ان صلاتك سكن لهم: ان دعائك لهم يدخل الاطمئنان والراحة الى نفوسهم وآخرون مرجون: مؤخرون لأمر الله.
والطبقة الرابعة ستأتي في الآية (١٠٦)
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
خذْ أيها الرسول من أموال هؤلاء التائبين صدقات تطرهّهم بها من الذنوب والشحُّ، وترفع درجاتهم عند الله، وادعُ لهم بالخير والهداية... فإن دعاءك تطمئنّ به قلوبُهم، والله سميح للداء عليمٌ بالمخلصين في توبتهم.
«روى ابنُ جرير عن ابن عباس قال: لما أطلق رسول الله ﷺ أبا لُبابة وصاحبَيْه انطلق ابو لبابة وصاحباه بأمواله الى الرسول الكريم، وقالوا: خذ من أموالنا فتصدَّقْ بها عنا وصلِّ علينا (يعني استغفر لنا وطهرنا) فقال رسول الله: لا آخذُ منها شيئاً حتى يأتيَنا أمرُ الله» أنزل الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً... الآية﴾ فأخذ.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وحفص: «ان صلاتك» وقرأ الباقون: «ان صلواتك» بالجمع.
﴿أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصدقات وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم﴾.
أَلا فلْيعلم هؤلاء التائبون أن الله هو الذي يقبل التوبةَ الخالصة من عباده، وهو الذي يأخذُ الصدقة، وأنه سبحانه هو الواسعُ الفضلِ في قبول التوبة، ذو الرحمة الشاملة لعباده.
وبابُ التوبة مفتوح دائما، روى الترمذي: ما أصَرَّ من استغفرَ، وإن عادّ في اليوم سبعين مرة.
وفي موضع الصدقات، روى الشيخان عن ابي هريرة ان النبي ﷺ قال: «ما تصدّق أحدُكم بصدقةٍ من كسبٍ حلال طيب، ولا يقبل الله الا الطّيب، إلا أخَذَها الرحمن بيَمينه وإن كانت تَمْرة، فَتَربُو في كفّ الرحمن حتى تكون أعظمَ من الجبل، كما يُربي أحدُكم فِلْوَه أو فَصِيله» فالصدقة مقبولة مهما كان حجمها. وفي الحديث ايضا «تصدَّقوا ولو بِشِقّ تمرة» والغِلْو، المُهر يُفصَل عن الفَرَس.
ثم يتوجّه الكلام بالخطاب إلى جميع المكلَّفين أن يعملوا، لأن الإسلامَ منحَهُم حياةً واقعية، لا تكفي فيها المشاعر والنوايا، ما لم تتحوّل الى حركةٍ وعمل دائم.
﴿وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
قل لهم ايها الرسول: اعملوا لِدُنياكم وآخرِتكم ولا تقصّروا في عمل الخير وأداء الواجب. إن ربّكم يعلم كل أعمالكم، وسيراها هو والرسول والمؤمنون، فيزِنونها بميزان الإيمان ويشهدون بقتضاها. ثم ترجعون بعد الموتٍ الى الله الذي يعمل سِركم وجهركم، فيجازيكم بأعمالكم. والمنهج الإسلامي في حقيقته منهج عقيدةٍ وعمل.

ثم جاء ذكر الطبقة الرابعة التي لم يبتَّ في أمرهان بل وكَلَ امرها الى الله.
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
هؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك، غير النافقين والمعتذرين والمخطئين التائبين. وقد تأخر البتُّ في أمرهم، وكان أمرُهم موكولاً الى الله، لم يعلموه، ولم يعلمْه الناس. قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة: هم الثلاثة الذين خُلّفوا وهم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك وهلال بن أميّة، قعدوا عن غزوة تبوك كسلاً وميلاً الى الدّعة والتمتع بطيب الثمار، لا شكاَّ ولا نفاقا. وسيأتي ذكرهم في الآية (١١٨).
فهؤلاء مرجَأون لأمرِ الله: إما أن يعذّبَهم، واما ان يتوبَ علهيم ويغفرَ لهم.
قراءات:
قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص «مُرْجَون» كما في المصحف، وقرأ الباقون «مرجأون» وهذا في اللغة جائز يقال أرجأت الأمر وأرجيته.