آيات من القرآن الكريم

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بعمل صالح لو مات عليه دخل الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبده خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثم يقبضه عليه» تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٦]
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا أَيْ عَنِ التَّوْبَةِ، وَهُمْ مَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، قَعَدُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَعَدَ كَسَلًا وَمَيْلًا إِلَى الدَّعَةِ وَالْحِفْظِ وَطَيِّبِ الثِّمَارِ وَالظِّلَالِ لَا شَكًّا وَنِفَاقًا، فَكَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي كَمَا فَعَلَ أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَطَائِفَةٌ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ، فَنَزَلَتْ تَوْبَةُ أُولَئِكَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ وَأَرْجَى هَؤُلَاءِ عَنِ التَّوْبَةِ، حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [التوبة: ١١٧] الآية، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ [التوبة: ١١٨] الآية، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَيْ هُمْ تَحْتَ عَفْوِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ بِهِمْ ذاك، ولكن رحمته تغلب غضبه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعَفْوَ، حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ، أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَرَأَ عِلْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ فِيهِ عِبَادَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَهُ شَرَفٌ فِي الْخَزْرَجِ كَبِيرٌ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ لِلْإِسْلَامِ كَلِمَةٌ عَالِيَةٌ وَأَظْهَرَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، شَرِقَ اللَّعِينُ أَبُو عَامِرٍ بِرِيقِهِ وَبَارَزَ بِالْعَدَاوَةِ وَظَاهَرَ بِهَا، وَخَرَجَ فَارًّا إِلَى كُفَّارِ مكة من مشركي قريش، يمالئهم

(١) المسند ٣/ ١٢٠.

صفحة رقم 184

عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا بِمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَقَدِمُوا عَامَ أُحُدٍ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ما كان وامتحنهم الله عز وجل، وَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وَكَانَ هَذَا الْفَاسِقُ قَدْ حَفَرَ حَفَائِرَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَوَقَعَ فِي إِحْدَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصيب ذلك اليوم فجرح وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى وَشُجَّ رَأْسُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَبُو عَامِرٍ فِي أَوَّلِ الْمُبَارَزَةِ إِلَى قَوْمِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَخَاطَبَهُمْ وَاسْتَمَالَهُمْ إِلَى نَصْرِهِ وَمُوَافَقَتِهِ، فَلَمَّا عَرَفُوا كَلَامَهُ قَالُوا: لَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا يَا فَاسِقُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَنَالُوا مِنْهُ وَسَبُّوهُ فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَاهُ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ فِرَارِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَتَمَرَّدَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُوتَ بَعِيدًا طَرِيدًا فَنَالَتْهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ أُحُدٍ، وَرَأَى أَمْرَ الرَّسُولِ ﷺ فِي ارْتِفَاعٍ وَظُهُورٍ، ذَهَبَ إِلَى هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ يَسْتَنْصِرُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَدَهُ وَمَنَّاهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ أَنَّهُ سَيَقَدَمُ بِجَيْشٍ يُقَاتِلُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَغْلِبُهُ وَيَرُدُّهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا لَهُ مَعْقِلًا يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَنْ يَقْدَمُ مِنْ عِنْدِهِ لِأَدَاءِ كُتُبِهِ وَيَكُونُ مَرْصَدًا لَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَشَرَعُوا فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ مُجَاوِرٍ لِمَسْجِدِ قُبَاءٍ فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ، وَجَاءُوا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِمْ فَيُصَلِّيَ في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فِيهِ عَلَى تَقْرِيرِهِ وَإِثْبَاتِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا بَنَوْهُ لِلضُّعَفَاءِ مِنْهُمْ وَأَهْلِ الْعِلَّةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، فَعَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ فَقَالَ: «إِنَّا عَلَى سَفَرٍ وَلَكِنْ إِذَا رَجَعْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَلَمَّا قَفَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ تَبُوكَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا يَوْمٌ أَوْ بَعْضُ يَوْمٍ، نَزَلَ عليه جبريل بِخَبَرِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَمَا اعْتَمَدَهُ بَانُوهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَسْجِدِهِمْ مسجد قباء الذي أسس من أول يوم عَلَى التَّقْوَى. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَنْ هَدَمَهُ قَبْلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ، هم أناس من الأنصار بنوا مَسْجِدًا.
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِرٍ: ابْنُوا مَسْجِدًا وَاسْتَعِدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَآتِي بجنود مِنَ الرُّومِ وَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدِهِمْ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقالوا له: قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا فَنُحِبُّ أَنْ تُصَلِيَ فِيهِ وَتَدْعُوَ لَنَا بِالْبَرَكَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً إلى قوله: الظَّالِمِينَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بْنُ عمر بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مِنْ تَبُوكَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ

صفحة رقم 185

يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصِلِّيَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ: «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغْلٍ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «ولو قَدْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ».
فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ أَتَاهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ أَوْ أَخَاهُ عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ أَخَا بَلْعِجْلَانَ فَقَالَ: «انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ» فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمَ. فَقَالَ مَالِكٌ لِمَعْنٍ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي، فَدَخَلَ أَهْلَهُ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَا الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرَقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خُذَامُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ دَارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقَاقِ، وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وموالي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو حَبِيبَةَ بن الأزعر مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ بَنِي عمرو بن عوف، وحارثة بن عامر وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ونبتل الحارث وهم من بني ضبيعة ومخرج، وهم مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت، وموالي بَنِي أُمَيَّةَ رَهْطُ أَبِي لَبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ.
وَقَوْلُهُ وَلَيَحْلِفُنَّ أَيْ الَّذِينَ بَنَوْهُ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى أي ما أردنا بِبُنْيَانِهِ إِلَّا خَيْرًا وَرِفْقًا بِالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أَيْ فِيمَا قَصَدُوا وَفِيمَا نَوَوْا، وَإِنَّمَا بَنُوهُ ضِرَارًا لِمَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَفْرًا بِاللَّهِ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وَهُوَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الرَّاهِبُ لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً نهي له ﷺ وَالْأُمَّةُ تَبَعٌ لَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُومَ فِيهِ أَيْ يُصَلِّي فِيهِ أَبَدًا. ثُمَّ حثه على الصلاة بمسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنيانه عَلَى التَّقْوَى، وَهِيَ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَجَمْعًا لِكَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعْقِلًا وَمَوْئِلًا لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِضِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ» «١»، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا «٢»، وفي

(١) أخرجه ابن ماجة في الصلاة باب ٣٠.
(٢) أخرجه مسلم في الحج حديث ٥١٥، وأحمد في المسند ٢/ ٥.

صفحة رقم 186

الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَاهُ وَأَسَّسَهُ أَوَّلَ قُدُومِهِ وَنُزُولِهِ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ جِبْرِيلُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَ لَهُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِيَ مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا- قَالَ- كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الْآيَةُ» «١». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ فَقَالَ: «مَا هَذَا الطَّهُورُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ من الغائط إلا وغسل فَرْجَهُ أَوْ قَالَ مَقْعَدَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هُوَ هَذَا».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ، فَمَا هَذَا الطَّهُورُ الَّذِي تَطَهَّرُونَ بِهِ؟» فَقَالُوا:
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنَ الْيَهُودِ فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَدَنِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا؟» الآية، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَغْسِلُ الْأَدْبَارَ بِالْمَاءِ «٣»، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأسدي، حدثنا محمد بن سعد عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ قَالَ كَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ.
حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ «٥» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ، سَمِعْتُ سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قُبَاءَ، فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا

(١) أخرجه أبو داود في الطهارة باب ٢٣، والترمذي في تفسير سورة ٩، باب ١٥، وابن ماجة في الطهارة باب ٢٨.
(٢) المسند ٣/ ٤٢٢. [.....]
(٣) انظر تفسير الطبري ٦/ ٤٧٧.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٤٧٦.
(٥) المسند ٦/ ٦.

صفحة رقم 187

تخبروني؟» يعني قوله فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءٍ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ورواه عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عروة بن الزبير، وقال عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي جَوْفِ الْمَدِينَةِ هُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَهَذَا صَحِيحٌ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَةِ وَبَيْنَ هَذَا، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ قَدْ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ «١».
حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يوم، فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، وَقَالَ الْآخَرُ هو مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا لَيْثٌ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، وَقَالَ الْآخَرُ هو مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هُوَ مَسْجِدِي» «٥» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ مسلم كما سيأتي.

(١) المسند ٥/ ١١٦.
(٢) المسند ٥/ ٣٣١.
(٣) المسند ٣/ ٨٩.
(٤) المسند ٣/ ٧.
(٥) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٩، باب ١٤، والنسائي في المساجد باب ٨.

صفحة رقم 188

طريق أخرى قال الإمام أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلَانِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ الْخُدْرِيُّ هُوَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْعَمْرِيُّ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «هُوَ هَذَا الْمَسْجِدُ» لَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال في ذلك يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ الْمَدَنِيُّ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ فَقُلْتُ كَيْفَ سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ فَقَالَ إني أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هذا» ثم قال سَمِعْتُ أَبَاكَ يَذْكُرُهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ «٣» مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حُمَيْدٍ الْخَرَّاطِ بِهِ، وَقَدْ قَالَ بِأَنَّهُ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْقَدِيمَةِ الْمُؤَسَّسَةِ مِنْ أَوَّلِ بِنَائِهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ مَعَ الجماعة الصَّالِحِينَ وَالْعِبَادِ الْعَامِلِينَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ مُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ شَبِيبًا أَبَا رَوْحٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بهم الصبح فقرأ الروم فيها فَأَوْهَمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّهُ يَلْبَسُ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ إِنْ أَقْوَامًا مِنْكُمْ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الْوُضُوءَ، فَمَنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ» ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ شَبِيبٍ أَبِي رَوْحٍ مِنْ ذِي الْكَلَاعِ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ إِكْمَالَ الطَّهَارَةِ يُسَهِّلُ الْقِيَامَ فِي الْعِبَادَةِ وَيُعِينُ عَلَى إِتْمَامِهَا وَإِكْمَالِهَا وَالْقِيَامِ بِمَشْرُوعَاتِهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ إِنَّ الطَّهُورَ بِالْمَاءِ لَحَسَنٌ ولكنهم

(١) المسند ٣/ ٢٣.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٤٧٣، ٤٧٤.
(٣) كتاب الحج الحديث ٥١٤.
(٤) المسند ٣/ ٤٧١، ٤٧٢.

صفحة رقم 189
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية