
فيا ربَّ ليلى أنت في كلِّ موطنٍ | وأنت الذي في رحمة الله أطمع (١) |
﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٧١].
١٧١ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ﴾، اختلفت (٧) عبارات أهل اللغة (٨) والتفسير (٩) في معنى ﴿نَتَقْنَا﴾؛ فقال الليث: (النَّتق الجذب، تقول: نتقت الغرب من البئر نتقًا إذا جذبته بمرَّة جذبة، وبعث الله الملائكة فنتقوا جبل طور فاقتلعوه من أصله حتى أطلعوه على عسكر بني إسرائيل) (١٠).
(٢) في (ب): (في رحمته أطمع فأظهر).
(٣) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٨٢ - ٢٨٣.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٨٨ - ٣٨٩.
(٥) في (ب): (منها).
(٦) قال أبو حيان في "البحر" ٤/ ٤١٨: (والظاهر أن قوله: ﴿وَالَّذِينَ﴾ استئناف مرفوع بالابتداء وخبره الجملة بعده، ولا ضرورة إلى ادعاء الحذف) اهـ.
(٧) في (ب): (اختلف)، وهو تحريف.
(٨) انظر: "الجمهرة" ١/ ٤٠٨، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٨٧، و"المجمل" ٣/ ٨٥٤، و"المفردات" ص ٧٩٠، و"اللسان" ٧/ ٤٣٧٧ (نتق).
(٩) أخرج الطبري ٨٢/ ١١٠ من طرق جيدة عن ابن عباس وقتادة قالا: (أي: رفعنا)، وأخرجه ابن أبي حاتم ٥/ ١٦١٠ من طرق جيدة عن ابن عباس وعطاء.
(١٠) "العين" ٥/ ١٢٩ - ١٣٠، وفي "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٠٥، قال الليث: (النتق =

وقال (١) الفراء في كتاب "المصادر": (يقول: علّقنا (٢) الجبل فوقهم فرفعناه، نتقهُ ينتقهُ نتقًا) (٣).
وقال في المعاني: ﴿نَتَقْنَا﴾ رفعنا (٤). وقال بعض أهل اللغة (٥): (أصل النتق: الزعزعة والنفض، ومن هذا يقال: نتقت السقاء إذا نفضته لتقلع منه زبدته) (٦)، وإلى هذا القول ذهب مجاهد وابن قتيبة، قال مجاهد: ﴿نَتَقْنَا الْجَبَلَ﴾ كما تنتق الزبدة) (٧).
وقال ابن قتيبة: ﴿نَتَقْنَا الْجَبَلَ﴾ أي: زعزعناه، ومنه يقال: نتقت السقاء، أي: نفضته لتقلع الزبدة منه).
وقال أبو عبيدة: (أصل النتق: قلع الشيء من موضعه والرمي به، يقال: نتق ما في الجراب إذا رمى به وصبّه، وامرأة ناتق منتاق إذا كثر ولدها، لأنها ترمي بأولادها رميًا) (٨).
(١) في (ب): (فقال).
(٢) في (ب): (علقت).
(٣) ذكره الثعلبي ٦/ ١٧/ ب، وذكره الطبري ٩/ ١١٠ عن بعض الكوفيين.
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٩٩، وزاد: (رفع الجبل على عسكرهم فرسخًا فرسخًا) اهـ.
(٥) ذكره في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٠٥ بلا نسبة، وهو في أكثر المراجع المذكورة.
(٦) أخرجه الطبري ٩/ ١٠٩، وابن أبي حاتم ٥/ ١٦١٠ بسند ضعيف.
(٧) "تفسير غريب القرآن" ص ١٨٢، وانظر: "غريب القرآن" لليزيدي ص ١٥٢، و"معاني النحاس" ٣/ ١٠١.
(٨) ذكره الرازي ١٥/ ٤٥، والسمين في "الدر" ٥/ ٥٠٩، وذكره الطبري ٩/ ١١٠، عن بعض البصريين، وقال الشيخ أحمد شاكر في "الحاشية" (يعني: أبا عبيدة) وفي "مجاز القرآن" ١/ ٢٣٢ قال: (أي: رفعنا فوقهم) اهـ. وفي "الصحاح" ٤/ ١٥٥٨ (قال أبو عبيدة: أي: زعزعناه) اهـ.

وأحسن العبارات وأجمعها (١) أن يقال: معنى ﴿نَتَقْنَا الْجَبَلَ﴾: رفعناه باقتلاع له من أصله.
وقوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (كأنه سقيفة) (٢)، والظلة (٣): كل ما أظلك من سقف بيت، أو سحابة، أو جناح حائط، والجمع ظلل وظلال (٤). أما (٥) تفسير الآية وقصتها فقد ذكرنا في سورة البقرة عند قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ الآية [البقرة: ٦٣].
وقوله تعالى: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾. قال المفسرون (٦): (علموا
وقال ابن عطية ٦/ ١٣٠: (أي: اقتلعنا ورفعنا. وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ [البقرة: ٦٣]) اهـ.
(٢) ذكره الرازي ١٥/ ٤٥، وذكره الثعبي ٦/ ١٨ أ، والبغوي ٣/ ٢٩٧ عن عطاء فقط.
(٣) انظر: "العين" ٨/ ١٤٨، و"الجمهرة" ١/ ١٥٣، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٤٦، و"الصحاح" ٥/ ١٧٥٥، و"المجمل" ٢/ ٥٩٩، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٤٦١، و"المفردات" ص ٥٣٥ (ظلل).
(٤) في (ب): (ظلل وأظلال)، وفي "اللسان" ٥/ ٢٧٥٥ (ظلل): (كل شيء أظلك فهو ظلَّة ويقال: ظلُّ وظلال وظلة وظلل، والظلُّ بالكسر جمعه أظلال وظلال وظلول) اهـ.
(٥) في (ب): (فأما).
(٦) انظر: السمرقندي ١/ ٥٧٩، والثعلبي ٦/ ١٨ أ، والماوردي ٢/ ٢٧٦، والبغوي ٣/ ٢٩٧، وابن الجوزي ٣/ ٢٨٣، والخازن ٢/ ٣٠٦، وذكره عن المفسرين الرازي ١٥/ ٤٥.