
أبلغ؛ لأنه أمر بتبليغ ما أنزل إليه، فيقول: أنا أول من أسلم بالذي أمرت بالتبليغ.
ويحتمل: أن يكون لا على توقيت الإسلام؛ ولكن على سرعة الإجابة والطاعة له كقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا): هو على الوصف بغاية العظم، ليس على أن بعضها أكبر وأعظم وبعضها أصغر؛ ولكن كلها أعظم وأكبر؛ فعلى ذلك هذا ليس على وقت الإسلام، ولكن لسرعة الإجابة، والطاعة له، والله أعلم.
الإسلام: هو جعل النفس وكلية الأشياء لله سالمة، أي: أنا أول من جعل نفسه لله سالمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ... (١٦٤)
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أغير اللَّه أبغي ربا وقد تعلمون أن لا رب سواه؟!
ويحتمل: أغير اللَّه أبغي ربا سواه، وفي كل أحد أثر ربوبحته وألوهيته قائم ظاهر، وفيما تدعونني إليه أجد آثار العبودية والربوبية لله فيه، فكيف أتخذ ربا سواه؟!.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا).
يحتمل وجهين:
الأول، يحتمل: لا تكسب كل نفس من سوء إلا عليها، أي: لا يتحمل ذلك غيره عنه في الآخرة؛ وكذلك قوله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وكقوله: (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ).
الثاني ويحتمل: أن يكون قوله: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا)، أي: لا تكسب كل نفس - لو تركت وما تختار - إلا عليها، لكن اللَّه بفضله يمنع بعضها وما تختار على نفسها؛ كقول يوسف - عليه السلام -: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي): أخبر أنها كاسبة السوء إلا ما عصمها ربي.
وجائز أن يكون على الإضمار؛ كأنه يقول: ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولها، ومثله جائز في القرآن؛ كقوله - تعالى -: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)، وهو نذير

لقوم، بشير لقوم آخرين: نذير في حال، وبشير في حال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
هو على الوعيد وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان إذا كبر للصلاة، أتبع التكبير بهذه الآية: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي...) إلى آخره.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة كبَّر، ثم قال: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي.....) إلى قوله تعالى (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
وذكر أنه كان يدعو بعد ذلك دعاء طويلا.
وروي عن عائشة، وأبي سعيد الخدري أنهما قالا كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذاء منكبيه، ثم يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ".
فكان أبو حنيفة - رحمه اللَّه - يختار من ذلك هذا في الفرائض.
وكذا روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قام إلى الصلاة، فكبر، ثم قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ".
وكذلك روي عن أبي سعيد أنه كان إذا افتتح الصلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ".