آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٦٤]
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤)
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا فأشركه في عبادته، وهو جواب عن دعائهم له عليه الصلاة والسلام إلى عبادة آلهتهم، وفي إيثار نفي البغية والطلب، على نفي العبادة، أبلغيّة لا تخفي وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال في موضع العلة للإنكار والدليل له. أي وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية، فلا أكون عبدا لعبده.
قال ابن كثير: أي فلا أتوكل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه. لأنه رب كل شيء ومليكه وله الخلق والأمر. ففي هذه الآية الأمر بإخلاص العبادة والتوكل. كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا. كقوله تعالى مرشدا لعباده أن يقولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. وقوله:
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: ١٢٣]. وقوله قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا [الملك: ٢٩]. وقوله رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل: ٩] وأشباه ذلك من الآيات.
وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
قال ابن كثير: إخبار عن الواقع يوم القيامة من جزاء الله تعالى وحكمه وعدله أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. وهذا من عدله تعالى.
وقال أبو السعود: كانوا يقولون للمسلمين: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا- فهذا رد له بالمعنى الأول. أي لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها. ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر، حتى يتأتى ما ذكرتم، وقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رد له بالمعنى الثاني. أي: لا تحمل يومئذ نفس حاملة، حمل نفس أخرى، حتى يصح قولكم.
تنبيه:
قال السيوطي في (الإكليل) : هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل

صفحة رقم 556

أحد. ، وقد ردت عائشة به على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه. أخرجه البخاري «١»، وأخرج ابن أبي حاتم عنها أنها سئلت عن ولد الزنى؟ فقالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء. وتلت هذه الآية.
قال: الكيا الهراسيّ: ويحتج بقوله: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها في عدم نفوذ تصرف زيد على عمرو إلّا ما قام عليه الدليل. قال ابن الفرس: واحتج به من أنكر ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.
وقال بعض الزيدية: قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني في أمر الآخرة. فيبطل قول إن أطفال المشركين يعذبون بكفر آبائهم. ويلزم أن لا يعذب الميت ببكاء أهله عليه. حيث لا سبب له. وأما في أمر الدنيا، فقد خص هذا بحديث العاقلة. وكذلك أسر أولاد الكفار ونحو ذلك. انتهى.

(١)
أخرجه البخاري في: الجنائز، ٣٣- باب قول النبيّ ﷺ «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه».
وسنسوقه بما فيه من الحوار الذي دار بين عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وبين سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه، بمكة. وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وإني لجالس بينهما (أو قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي) فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله ﷺ قال «إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه».
فقال ابن عباس رضى الله عنهما: قد كان عمر رضي الله عنه يقول ذلك.
ثم حدّث قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو يركب تحت ظل سمرة. فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب. قال فنظرت فإذا هو صهيب. فأخبرته فقال: ادعه لي. فرجعت إلى صهيب: فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين.
فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه.
فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أتبكي عليّ وقد قال رسول الله ﷺ «إن الميت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه» ؟
قال ابن عباس رضي الله عنه: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها.
فقالت: رحم الله عمر. والله! ما حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه.
ولكن رسول الله ﷺ قال «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه».
وقالت: حسبكم القرآن: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى.
قال ابن مليكة: والله! ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا.
ورقم حديث ابن عمر ٦٨٤ وعمر ٦٨٥ وعائشة ٦٨٦.

صفحة رقم 557
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية