
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس- رضى الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه قال: «إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات فمن همّ بحسنة ولم يفعلها كتبت له عند الله حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة».
من جاء يوم القيامة بالخصلة الحسنة، والفعلة الطيبة، جازاه الله عليها عشر حسنات والمضاعفة بعد ذلك إلى سبعمائة أو ما شاء بعد ذلك من زيادة فالله أعلم بها، تختلف على حسب مشيئته تعالى وعلمه بأحوال المحسنين، إذ من يبذل درهما ونفسه غير راضية لا يكون كمن ينفقه طيبة به نفسه، مسرورة بعملها.
ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فقط، وهم لا يظلمون، أى: لا ينقصون من أعمالهم شيئا: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء ٤٧].
التوحيد والإخلاص في العقيدة [سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٦١ الى ١٦٤]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤)

المفردات:
دِيناً قِيَماً: يقوم به أمر الناس ونظامهم في الدنيا والآخرة، أو قائما مستقيما لا عوج فيه. حَنِيفاً: مائلا عن الضلالة إلى الاستقامة، والمراد: مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الإسلام. وَنُسُكِي: عبادتي من حج وغيره. وَمَحْيايَ وَمَماتِي المراد: ما آتيه في حياتي وموتى. وازِرَةٌ الوزر: الحمل الثقيل، والمراد النفس الآثمة المذنبة.
المعنى:
هذا ختام سورة جامعة لأصول التوحيد، شارحة للعقيدة الإسلامية وبخاصة أحوال البعث والجزاء، وإثبات الرسالة وما يتبع ذلك، ولهذا كان ختامها خلاصة لما تقدم.
قل يا محمد: إننى هداني ربي، ووفقني إلى صراط مستقيم لا عوج فيه، هو الدين القيم الموصل إلى سعادة الدارين، الذي يقوم به أمر الناس في معاشهم ومعادهم، وبه يصلحون، هذا الدين هو ملة أبيكم إبراهيم الخليل، فالتزموه حال كونه حنيفا مائلا عن جميع وسائل الشرك والباطل إلى الدين الحق الذي من دعائه في كل صلاة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، وما كان إبراهيم من المشركين أبدا، فأما من يتخذ الأصنام آلهة ويعتقد أن الملائكة بنات الله، أو عزير أو المسيح ابن الله، فهؤلاء هم المشركون، وليسوا على ملة إبراهيم: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا «١» هذا الدين هو دين الإخلاص والعمل لله، هو الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «٢». وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ «٣» هذا هو التوحيد الخالص في العقيدة.
قل لهم يا محمد: إن صلاتي ودعائي، ونسكي وعبادتي وما آتيه في حياتي كلها! بل وحياتي وموتى، كل ذلك خالص لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال أمر الله.
(٢) سورة آل عمران آية ١٩.
(٣) سورة آل عمران آية ٨٥.