آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

قَائِمَةً مَنْصُورَةً، وَأَعْلَامُهَا مَشْهُورَةً (١) إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ؛ ولهذا قال عليه [الصلاة و] (٢) السلام: "نَحْنُ مَعاشِر الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلات دِينُنَا وَاحِدٌ" (٣) فَإِنَّ أَوْلَادَ الْعِلَّاتِ هُمُ الْإِخْوَةُ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمَّهَاتٍ شَتَّى، فَالدِّينُ وَاحِدٌ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنْ تَنَوَّعَتِ الشَّرَائِعُ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمَّهَاتِ، كَمَا أَنَّ إِخْوَةَ الْأَخْيَافِ (٤) عَكْسُ هَذَا، بَنُو الْأُمِّ الْوَاحِدَةِ مِنْ آبَاءٍ شَتَّى، وَالْإِخْوَةُ الْأَعْيَانُ الْأَشِقَّاءُ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الماجشُون، حَدَّثَنَا عبد الله ابن الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ قَالَ: " ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٧٩]، ﴿إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا (٥) يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ. وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ. تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ".
ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِيمَا يَقُولُهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (٦).
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ أَيْ: أَطْلُبُ رَبًّا سِوَاهُ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، يَرُبّنِي وَيَحْفَظُنِي وَيَكْلَؤُنِي وَيُدَبِّرُ أَمْرِي، أَيْ: لَا أَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا أُنِيبُ إِلَّا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
هَذِهِ (٧) الْآيَةُ فِيهَا الْأَمْرُ بِإِخْلَاصِ التَّوَكُّلِ، كَمَا تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ (٨) لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى يُقْرَنُ بِالْآخَرِ كَثِيرًا [فِي الْقُرْآنِ] (٩) كَمَا قَالَ (١٠) تَعَالَى مُرْشِدًا لِعِبَادِهِ أَنْ يَقُولُوا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الْفَاتِحَةِ: ٥]، وَقَوْلُهُ ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هُودٍ: ١٢٣]، وَقَوْلُهُ ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الْمُلْكِ: ٢٩]، وَقَوْلُهُ ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ٩]، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ إِخْبَارٌ عَنِ الواقع يوم القيامة في

(١) في أ: "منشورة".
(٢) زيادة من أ.
(٣) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٤٢، ٣٤٤٣) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٤) في أ: "الأختان".
(٥) في م: "إنه لا".
(٦) المسند (١/٩٤) وصحيح مسلم برقم (٧٧١).
(٧) في م، أ: "فهذه".
(٨) في أ: "وحده".
(٩) زيادة من أ.
(١٠) في أ: "كقوله".

صفحة رقم 383
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية