آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ

أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف»
وفى هذا الحديث بيان للسبب فى كتابة السيئة حسنة، وأن ذلك إنما كان لمخالفة النفس بكفها عن عمل السيئة من أجل ابتغاء رضوان الله واتقاء سخطه وعذابه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٦١ الى ١٦٥]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)
تفسير المفردات
قيما، أي يقوم به أمر الناس فى معاشهم ومعادهم، حنيفا أي مائلا عن الأديان الباطلة، والنسك: العبادة، ومحياى ومماتى لله: أي وما آتيه فى حياتى وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح كله لله رب العالمين، الوزر لغة الحمل الثقيل، ووزره يزره حمله يحمله، والخلائف واحدهم خليفة، وهو من يخلف من كان قبله فى مكان أو عمل أو ملك، والابتلاء الاختبار والامتحان.

صفحة رقم 88

المعنى الجملي
لما كانت هذه السورة أجمع السور لأصول الدين مع إقامة الحجج عليها ودفع الشبه عنها، وإبطال عقائد أهل الشرك وخرافاتهم- جاءت هذه الخاتمة آمرة له ﷺ بأن يقول لهم قولا جامعا لجملة ما فصّل فيها- وهو أن الدين القيم والصراط المستقيم هو ملة إبراهيم دون ما يدعيه المشركون وأهل الكتاب المحرّفون، وأنه ﷺ مستمسك به معتصم بحبله يدعو إليه قولا وعملا على أكمل الوجوه، وهو أول المخلصين وأخشع الخاشعين، وهو الذي أكمل هذا الدين بعد انحراف جميع الأمم عن صراطه.
ثم بين أن الجزاء عند الله على الأعمال، وأن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن المرجع إليه تعالى وحده، وأن له سننا فى استخلاف الأمم واختبارها بالنعم والنقم، وأن الله وحده، هو الذي يتولى عقاب المسيئين ورحمة المحسنين، فلا ينبغى الاتكال على الوسطاء ولا الشفعاء بين الله والناس فى غفران الذنوب وقضاء الحاجات كما هى عقيدة أهل الشرك أجمعين.
الإيضاح
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي قل أيها الرسول لقومك ولسائر البشر: إن ربى أرشدنى بما أوحاه إلىّ بفضله، إلى صراط مستقيم لا عوج فيه ولا اشتباه، يهدى سالكه إلى سعادة الدنيا والآخرة، وهو الذي يدعوكم إلى طلبه منه حين تناجونه فتقولون: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
(دِيناً قِيَماً) أي إن هذا الصراط المستقيم هو الدين الذي به يقوم أمر الناس فى معاشهم ومعادهم، وبه يصلحون.
(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي الزموا ملة إبراهيم حال كونه حنيفا مائلا عن جميع ما سواه من الشرك والباطل.

صفحة رقم 89

(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي إنه منزه عن الشرك وما عليه المبطلون، وفيه تكذيب لأهل مكة القائلين إنهم على ملة إبراهيم وهم يعتقدون أن الملائكة بنات الله، ولليهود الذين يقولون: عزير ابن الله، وللنصارى الذين يقولون: عيسى ابن الله، وهذا كقوله:
«وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا».
هذا الدين هو دين الإخلاص لله وحده، وهو الدين الذي بعث به جميع رسله وقرره فى جميع كتبه، وجعله ملة إبراهيم لأنه هو النبي الذي أجمع على الاعتراف بفضله وصحة دينه مشركو العرب وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكانت قريش ومن لفّ لفّها من العرب يسمون أنفسهم الحنفاء مدّعين أنهم على ملة إبراهيم، وهكذا فعل أهل الكتاب حين ادّعوا اتباعه واتباع موسى وعيسى عليهما السلام كما قال:
«ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) المراد بالصلاة ما يشمل المفروض منها والمستحب، والنسك، العبادة، والناسك: العابد، وكثر استعماله فى عبادة الحج، والمراد من كون محياه ومماته لله أنه قد وجه وجهه وحصر نيته وعزمه فى حبس حياته لطاعته ومرضاته وبذلها فى سبيله، فيموت على ذلك كما يعيش.
والآية جامعة لكل الأعمال الصالحة التي هى غرض المؤمن الموحد من حياته وذخيرته لمماته، ويكون فيها الإخلاص لله رب العالمين.
فينبغى للمؤمن أن يوطن نفسه على أن تكون حياته لله ومماته لله، فيتحرى الخير والصلاح والإصلاح فى كل عمل من أعماله، ويطلب الكمال فى ذلك لنفسه رجاء أن يموت ميتة ترضى ربه، ولا يحرص على الحياة لذاتها، فلا يرهب الموت: فيمتنع عن الجهاد فى سبيل الله، كما أن عليه أن يقيم ميزان العدل فيأخذ على أيدى أهل الجور ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

صفحة رقم 90

وأفرد الصلاة بالذكر مع دخولها فى النسك، لأن روحها وهو الدعاء وتعظيم المعبود وتوجه القلب إليه والخوف منه، مما يقع فيه الشرك ممن يغلون فى تعظيم الصالحين وما يذكر بهم كقبورهم وصورهم وتماثيلهم.
والخلاصة- إنه لا ينبغى أن تكون العبادة إلا لله رب العباد وخالقهم، فمن توجه إليه وإلى غيره من عباده المكرمين أو إلى غيرهم مما يستعظم من خلقه كان مشركا، فالله لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
(لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي لا شريك له فى ربوبيته فيستحق أن يشركه فى العبادة ويتوجه إليه معه للتأثير فى عبادته، وبذلك أمرنى ربى، وأنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال ما أمره به، وترك ما نهى عنه.
وفى هذا بيان إجمالي لتوحيد الألوهية بالعمل بعد بيان أصل التوحيد فى العقيدة، ثم انتقل إلى برهانه الأعلى، وهو توحيد الربوبية بما أمره به فقال:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) أي أغير الله الذي خلق الخلق ورباهم- أطلب ربا آخر أشركه فى عبادتى له بدعائه والتوجه إليه، لينفعنى أو يمنع الضر عنى أو ليقربنى إليه زلفى، وهو تعالى رب كل شىء مما عبد ومما لم يعبد- فهو الذي خلق الملائكة والمسيح والشمس والقمر والكواكب والأصنام كما قال:
«وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ».
وإذا كان الله هو الخالق والمدبر فكيف أسفّه نفسى وأكفر بربي بجعل المخلوق المربوب مثلى ربّا لى، وجميع المشركين يعترفون بأن معبوداتهم مخلوقة لله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين.
(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تكسب كل نفس إثما إلا كان عليها جزاؤه دون غيرها، ولا تحمل نفس فوق حملها حمل نفس أخرى، بل تحمل كل نفس حملها فحسب كما قال: «لَها ما كَسَبَتْ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» أي دون ما كسب أو اكتسب غيرها.

صفحة رقم 91

والخلاصة- إن الدين أرشدنا أن نجرى على ما أودعته الفطرة فى النفوس من أن سعادة الناس وشقاءهم فى الدنيا بأعمالهم، والعمل يؤثر فى النفس التأثير الذي يزكّيها إن كان صالحا، أو التأثير الذي يدسّيها ويفسدها إن كان سيئا، والجزاء مبنى على هذا التأثير، فلا ينتفع أحد ولا يتضرر بعمل غيره.
ومن كان قدوة صالحة فى عمل أو معلما له فإنه ينتفع بعمل من أرشدهم بقوله أو فعله زيادة على انتفاعه بأصل ذلك القول أو الفعل، ومن كان قدوة سيئة فى عمل أو دالّا عليه ومغريا به، فإن عليه مثل إثم من فعله، وقد بين النبي ﷺ هذا
بقوله: «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء» رواه مسلم.
وهذه قاعدة من أصول كل دين بعث الله به رسله كما جاء فى سورة النجم:
«أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى».
وهذه الوصية من أعظم دعائم الإصلاح فى المجتمع البشرى وهادمة لأسس الوثنية، وهادية للناس جميعا إلى ما تتوقف عليه سعادتهم فى الدنيا والآخرة، فإن العمل وحده هو وسيلة الفوز وطريق النجاة، لا كما يزعم الوثنيون من طلب رفع الضر وجلب النفع بقوة من وراء الغيب، وهى وساطة بعض المخلوقات الممتازة ببعض الخواص والمزايا بين الناس وربهم، ليعطيهم ما يطلبون فى الدنيا بلا كسب ولا سعى من طريق الأسباب التي جرت بها سنته فى خلقه، وليحملوا عنهم أوزارهم حتى لا يعاقبوا بها، أو ليحملوا الخالق على رفعها عنهم وترك عقابهم عليها، وعلى إعطائهم نعيم الآخرة وإنقاذهم من عذابها.
ومما ينتفع به المرء من عمل غيره- لأنه فى الحقيقة كأنه عمله إذ كان سببا فيه- دعاء أولاده، وحجهم وتصدقهم عنه، وقضاؤهم لصومه كما
ورد فى الحديث: «إذا مات

صفحة رقم 92

الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوله» رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة.
ذاك أن الله قد ألحق ذرية المؤمنين بهم بنص الكتاب، وصح فى السنة أن ولد الرجل من كسبه.
ومن هذا تعلم أن ما جرت به العادة من قراءة القرآن والأذكار وإهداء ثوابها إلى الأموات واستئجار القراء وحبس الأوقاف على ذلك- بدعة غير مشروعة، وكذا إسقاط الصلاة، إذ لو كان لذلك أصل فى الدين لما جهله السلف، ولو علموه لما أهملوا العمل به.
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي ثم إن رجوعكم فى الحياة الآخرة إلى ربكم دون غيره مما عبدتم من دونه، فينبئكم بما كنتم تختلفون فيه من أمر أديانكم المختلفة، ويتولى جزاءكم عليه وحده بحسب علمه وإرادته القديمين، ويضل عنكم ما كنتم تزعمون من دونه.
ونحو الآية قوله: «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) أي إن ربكم الذي هو رب كل شىء هو الذي جعلكم خلائف هذه الأرض بعد أمم قد سبقت، وفى سيرها عبر وعظات لمن ادكر وتدبر، وكذلك هو قد رفع بعضكم فوق بعض درجات فى الغنى والفقر، والقوة والضعف، والعلم والجهل، ليختبركم فيما أعطاكم أي ليعاملكم معاملة المختبر لكم فى ذلك، ويبنى الجزاء على العمل، إذ قد جرت سنته فى أن سعادة الناس أفرادا وجماعات فى الدنيا والآخرة أو شقاءهم فيهما تابعة لأعمالهم وتصرفاتهم.

صفحة رقم 93

وجاء فى معنى الآية قوله: «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» وقوله: «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وقوله:
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ».
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إنه تعالى سريع العقاب لمن كفر به أو كفر بنبيه وخالف شرعه وتنكّب عن سنته، وهذا العقاب السريع شامل لما يكون فى الدنيا من الضرر فى النفس أو العقل أو العرض أو المال أو غير ذلك من الشئون الاجتماعية، وهذا مطرد فى الدنيا فى ذنوب الأمم، وأكثرىّ فى ذنوب الأفراد، ومطرد فى الآخرة بتدسية النفس وتدنيسها.
وهو سبحانه على سرعة عقابه وشديد عذابه للمشركين، غفور للتوابين رحيم بالمؤمنين المحسنين، إذ سبقت رحمته غضبه، ووسعت كل شىء، ومن ثم جعل جزاء الحسنة عشر أمثالها، وقد يضاعفها بعد ذلك أضعافا كثيرة لمن يشاء، كما جعل جزاء السيئة سيئة مثلها، وقد يغفرها لمن تاب منها كما قال: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ».
نسأله تعالى أن يغفر لنا خطيئاتنا ويستر زلاتنا بمنه وكرمه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
خلاصة ما اشتملت عليه السورة من العقائد والأحكام
(١) العقائد وأدلتها بالأسلوب الجامع بين الإقناع والتأثير كبيان صفات الله بذكر أفعاله وسننه فى الخلق وآياته فى الأنفس والآفاق، وتأثير العقائد فى الأعمال، مع إيراد الحقائق بطريق المناظرة والجدل، أو ورودها جوابا بعد سؤال وفى أثناء ذلك يرد شبهات المشركين ويهدم هياكل الشرك ويقوّض أركانه.
(٢) الرسالة والوحى وتفنيد شبهات المشركين على الرسول ﷺ وإلزامهم الحجة بآية الله الكبرى، وهى القرآن المشتمل على الأدلة العقلية والبراهين

صفحة رقم 94

العلمية، وقد كان كثير من الكفار مشركين وغير مشركين يكفرون بالرسل ويستبعدون إنزال الوحى عليهم.
(٣) البعث والجزاء والوعد والوعيد بذكر ما يقع يوم القيامة من العذاب للمجرمين، والبشارة للمتقين بالفوز والنعيم، مع ذكر عالم الغيب من الملائكة والجن والشياطين والجنة والنار، وقد كانت العرب كغيرها من الأمم تؤمن بالملائكة وبوجود الجن ويعتقدون بأنهم يظهرون لهم أحيانا بصورة الغيلان ويسمعون أصواتهم وعزفهم، وأنهم يلقون الشعر فى هواجس الشعراء.
(٤) أصول الدين ووصاياه الجامعة فى الفضائل والآداب والنهى عن الرذائل، وإذا نحن فصلنا القول فيها نرجعها إلى الأصول الآتية:
(ا) إن دين الله واحد، فتفريقه بالمذاهب والأهواء وجعل أهله فرقا وشيعا خروج عن هدى الرسول الذي جاء به وموجب لبراءته من فاعليه.
(ب) إن سعادة الناس وشقاوتهم منوطتان بأعمالهم النفسية والبدنية، وأن الجزاء على الأعمال يكون بحسب تأثيرها فى الأنفس، وأن الجزاء على السيئة بمثلها، وعلى الحسنة بعشر أمثالها فضلا من الله ونعمة، وجزاء السيئات على الإنسان وحده، وجزاء الحسنات له وحده فلا يحمل أحد وزر غيره.
(ح) إن الناس عاملون بالإرادة والاختيار، ولكنهم خاضعون للسنن والأقدار، فلا جبر ولا اضطرار، ولا تعارض بين عملهم باختيارهم ومشيئة الخالق سبحانه، إذ المراد من خلقه الأشياء بقدر وتقدير أنه تعالى خلقها على وجه جعل فيه المسببات على قدر الأسباب بناء على علم وحكمة، فهو لم يخلق شيئا جزافا بغير تقدير ولا نظام يجرى عليه.
(د) إن لله سننا فى حياة الأمم وموتها، وسعادتها وشقائها، وإهلاكها بمعاندة الرسل والظلم والفساد فى الأرض، وتربيتها بالنعم تارة والنقم أخرى.
(هـ) إن التحليل والتحريم وسائر الشعائر التعبدية من حق الله تعالى، فمن وضع حكما لا يستند إلى شرع الله فقد افترى إثما عظيما.

صفحة رقم 95

(و) الأمر بالسير فى الأرض، وقد تكرر ذلك فى الكتاب الكريم للنظر فى أحوال الأمم وعواقب الأقوام التي كذبت الرسل.
(ز) الترغيب فى معرفة ما فى الكون والإرشاد إلى معرفة سنن الله فيه، وآياته الكثيرة الدالة على علمه وقدرته.
(ح) إن التوبة الصحيحة مع ما يلزمها من العمل الصالح موجبة لمغفرة الذنوب.
(ط) ابتلاء الناس بعضهم ببعض، ليتنافسوا فى العلوم والأعمال النافعة، وإعلاء كلمة الحق والدين ورفعة شأنه وإعزاز أهله.

صفحة رقم 96
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية