
وقال مالك بن دينار: أوصى الله إلى الملائكة أن عذّبوا قرية كذا فصاحت الملائكة إلى ربها: يا رب إن فيهم عبدك العابد. فقال: أسمعوني ضجيجه فإن وجهه لم يتغير غضبا لمحارمي وأوحى الله إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم. فقال: يا ربّ فهؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم.
وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ.
قال ابن عباس وعكرمة والضحّاك وقتادة: إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في محمد (عليه السلام) وكذبوا به كفى الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص بن عازورا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ لم يردوا إلى عنقه ولكنهم أرادوا إنها مقبوضة بمعنى منه ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل.
وقال أهل المعاني: إنما قال هذه المقالة فنحاص فلم ينهوا الآخرون ورضوا بقوله فأشركهم الله فيها وأرادوا باليد العطاء لأن عطاء الناس بذل معروفهم في الغالب بأيديهم واستعمل الناس اليد في وصف الإنسان بالرد والبخل.
قال الشاعر:
يداك يدا مجد فكف مفيد | وكف إذا ما ضن بالمال ينفق «١» |
قال الشاعر:
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها | وكل باب من الخيرات مفتوح «٢». |
مجد، وأخرى، بدل: وكف
. (٢) تفسير القرطبي: ٦/ ٢٣٨
.

فاستبدلت بعده جعدا أنامله... كأنما وجهه يأكل منضوج
وقال الحسن: معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلّا بما [يقرّبه] قيمة قدر ما عبد آباؤنا العجل. وهو سبعة أيّام.
وقال مجاهد والسدّي: هو أن اليهود قالوا إن الله لما نزع ملكنا منا وضع يده على صدره يحمد إلينا ويقول: يا بني إسرائيل، يا بني أحباري لا أبسطها حتى أرد عليكم الملك. والقول الأول أولى بالصواب لقوله يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقيل: هو استفهام تقديره: أيد الله مغلولة عنا؟
حيث قتّر المعيشة علينا قال الله غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ أي مسكت أيديهم عن الخيرات وقبضت عن الانبساط بالعطيات.
وقال يمان بن رئاب: شدد وثقل عليهم الشرائع، بيانه قوله وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وقيل: هو من الغل في النار يوم القيامة كقوله إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ «١» وَلُعِنُوا عذبوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ اختلفوا في معنى يد الله سبحانه، فقال قوم: إن له يدا لا كالأيدي وأشاروا باليد إلى الجارحة ثم قصدوا نفي التشبيه بقوله لا كالأيدي وهذا غير مرضي من القول وفساده لا يخفى.
وقال الآخرون: يده قدرته لقوله أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ «٢».
وقيل: هو ملكه كما يقال لمملوك الرجل، هو ملك يمينه. قال الله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «٣» أي إنه يملك ذلك، وعلى هذين القولين يكون لفظه مشبه ومعناه واحد لقوله وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «٤» أراد به جنة واحدة. قاله الفرّاء: وأنشدني في بعضهم:
ومنهم يدين قدمين مرتين... قطعة بالألم لا بالسمينين
أراد منهما واحدا وسمنة واحدة.
قال وأنشد في آخر:
يمشي مكبدا ولهزمين... قد جعل الأرطا جنتين
أراد لهزما وجنة.
وقيل: أراد بذلك نعمتاه. كما يقال: لفلان عندي يدا نعمة، وعلى هذا القول يكون بعضه
. (٢) سورة ص: ٤٥
. (٣) سورة البقرة: ٢٣٧ [.....]
. (٤) سورة الرحمن: ٤٦
.

تشبيه ومعناه جمع كقوله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «١». والعرب تضع الواحد موضع الجمع كقوله وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً «٢». لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ «٣» وإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «٤» ونحوها، ويقول العرب: ما أكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، ويضع التشبيه أيضا موضع الجمع كقوله أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ «٥» فأراد الجمع. قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل «٦»
يدل عليه:
وقوفا بها صحبي على مطيّهم «٧»
يقول بأنه أخذ الجمع. قال محمد بن مقاتل الرازي: أراد نعمتان مبسوطتان نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة، وهذه تأويلات مدخولة لأن الله عز وجل ذكر له خلق آدم بيده على طريق التخصيص والتفصيل لآدم على إبليس، ولو كان تأويل اليد ما ذكروا لما كان لهذا التخصيص والتفضيل لآدم معنى لأن إبليس أيضا مخلوق بقدرة الله وفي ملك الله ونعمته.
وقال أهل الحق: إنه صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، قال الحسن: إن الله سبحانه يداه لا توصف، دليل هذا التأويل إن الله ذكر اليد مرّة بلفظ اليد فقال عز من قائل قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ «٨» بِيَدِكَ الْخَيْرُ «٩» يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «١٠» تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «١١».
وقال (عليه السلام) :«يمين الله ملأن [لا يعيضن] «١٢» نفقة فترد به»
وقال عز وجل مرّة وقال لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ «١٣» بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ.
. (٢) سورة الفرقان: ٥٥
. (٣) سورة البلد: ٤
. (٤) سورة العصر: ٢
. (٥) سورة ق: ٢٤
. (٦) لسان العرب: ١٥/ ٢٠٩
. (٧) تفسير القرطبي: ٦/ ١٣٣
. (٨) سورة آل عمران: ٧٣
. (٩) سورة آل عمران: ٢٦
. (١٠) سورة الفتح: ١٠
. (١١) سورة الملك: ١
. (١٢) هكذا في الأصل
. (١٣) سورة ص: ٧٥ [.....]
.