آيات من القرآن الكريم

مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

على غراب آخر، على ما ذكر في القصة أن غرابًا قتل آخر، ثم جعل يبحث التراب عليه؛ لأنه ذكر السوأة، وليس للغراب سوأة -والسوأة: العورة- وذلك ليريه كيف يوارى سوأة أخيه لم يذكر السوأة في الغراب، إنما ذكرها في أخيه؛ من أجل أن يريه أن كيف يوارى سوأته، واللَّه أعلم.
وقوله: (قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي)
أي: أعجزت في الحيلة أن أكون مثل هذا الغراب، فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا... (٣٢)
أي: من استحل قتل نفس، يحتمل وجوهًا:
يحتمل قوله - تعالى -: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) أي: من استحل قتل نفس حَرَّمَ اللَّه قتلها بغير حق، فكأنما استحل قتل الناس جميعًا؛ لأنه يكفر باستحلاله قتل نفس محرم قتلها، فكان كاستحلال قتل الناس جميعًا؛ لأن من كفر بآية من كتاب اللَّه يصير كافرًا بالكل؛ فعلى ذلك الأول، إذا استحل قتل نفس محرمة يصير كأنه استحل قتل الأنفس كلها.
ويحتمل: أن يكون هذا في أول قتيل قتل لم يكن قبل ذلك أحد، فلما قتل هذا قتيلا جعل الناس يقتلون بعد ذلك بعضهم بعضًا، وكان ذلك منه سنة استن الناس به؛ فهو كما روي في الخبر أن: " مَنْ سَنَّ سُنَّة سَيئةً فَلَهُ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ وِزْرِهِم شَيئًا "؛ فيشترك هذا القاتل في وزر كل قتيل قتل إلى يوم

صفحة رقم 501

القيامة بغير حق.
وتحتمل الآية وجهًا آخر، وهو ما قيل: إنه يجب عليه من القتل مثل ما أنه لو قتل الناس جميعًا، ومن أحياها أعطاه من الأجر مثل ما لو أنه أحيا الناس جميعًا، إذا أحياها فلم يقتلها وعفا عنها.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من أجل ابن آدم حين قتل أخاه كتبنا على بني إسرائيل: (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ) بلا نفس وجب عليها القصاص (أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) يقول: الشرك في الأرض، (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) يقول: يعذب عليها؛ كما أنه لو قتل الناس جميعًا لهم، وهو مثل الأول.
وعن عبد اللَّه بن عمرو قرأ: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ...) الآية قال: " لم يكن يؤخذ في بني إسرائيل أرش، إنما كان قصاصا بقصاص " يقول: من قتل نفسا، أو أفسد في الأرض جزاؤه كانما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فعلى نحو ذلك.
ويحتمل قوله - تعالى -: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا): أي: من استنقذ أحدًا من مهلكة فكأنما استنقذ الناس جميعًا في الآخرة.
وقيل: ومن أحياها بالعفو - أُجِرَ في إحيائها كما يؤجر من أحيا الناس جميعًا؛ إذ على الناس معونة ذلك، فإذا عفا عنها فكأنما عفا عن الناس جميعًا.
قال الحسن: ومن أحياها في الأجر، أما واللَّه من يستطيع أن يحييها إذا جاء أجلها؟! ولكنه أقيد فعفا.
ووجه آخر: أنه يلزم الناس جميعا دفع ذلك عن نفسه ومعونته له، فإذا قتلها أو سعى عليها بالفساد فكأنما سعى بذلك على الناس كافة؛ فعلى ذلك من أحياها فكأنما سعى في إحياء الناس جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)

صفحة رقم 502
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية