آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ

شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِنَا، فَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ الشَّافِعَ يَشْفَعُ فِي حَقٍّ أَوْ فِي بَاطِلٍ حَفِيظٌ عَلَيْهِ فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا عَلِمَ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّمَا قَالَ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى الْمَقْدُورَاتِ صِفَةً كَانَتْ ثَابِتَةً لَهُ من الأزل، وليست صفة محدثة، فقوله: كانَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ وَقْتِ كَذَا أَوْ حَالِ كَذَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا مِنَ الْأَزَلِ إلى الأبد.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٦]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦)
فِي النَّظْمِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجِهَادِ أَمَرَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَعْدَاءَ لَوْ رَضُوا بِالْمَسْأَلَةِ فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا رَاضِينَ بِهَا، فَقَوْلُهُ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الْأَنْفَالِ: ٦١]. الثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجِهَادِ كَانَ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى سَلَامِهِ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُهُ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَمَنَعَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ وَأَمَرَهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُكْرِمُهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِكْرَامِ يُقَابِلُونَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْإِكْرَامِ أَوْ أَزْيَدَ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَافِرًا لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمَ أَنْ قَابَلَ إِكْرَامَ ذَلِكَ الْكَافِرِ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِكْرَامِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد، [في قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: التَّحِيَّةُ تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَّيْتُ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ تَحْيِيَةٌ، مِثْلُ التَّوْصِيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَالْعَرَبُ تُؤْثِرُ التَّفْعِلَةَ عَلَى التَّفْعِيلِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الْوَاقِعَةِ: ٩٤] فَثَبَتَ أَنَّ التَّحِيَّةَ أَصْلُهَا التَّحْيِيَةُ ثُمَّ أَدْغَمُوا الْيَاءَ فِي الْيَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا: حَيَّاكَ اللَّه وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْحَيَاةِ كَأَنَّهُ يَدْعُو لَهُ بِالْحَيَاةِ، فَكَانَتِ التَّحِيَّةُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَيَّاكَ اللَّه، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُبْدِلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ، فَجَعَلُوا التَّحِيَّةَ اسْمًا لِلسَّلَامِ. قَالَ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الْأَحْزَابِ: ٤٤] وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَلِّي: التَّحِيَّاتُ للَّه، أَيِ السَّلَامُ مِنَ الْآفَاتِ للَّه، وَالْأَشْعَارُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ. قَالَ عَنْتَرَةُ:
حَيْيَتُ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
وَقَالَ آخَرُ:
إِنَّا مُحَيُّوكِ يَا سَلْمَى فَحَيِّينَا
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَيَّ إِذَا كَانَ سَلِيمًا كَانَ حَيًّا لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ إِذَا كَانَ حَيًّا كَانَ سَلِيمًا، فَقَدْ تَكُونُ حَيَاتُهُ مَقْرُونَةً بِالْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه. الثَّانِي: أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى، فَالِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ اللَّه أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ إِبْقَاءَ السَّلَامَةِ عَلَى عِبَادِهِ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيَّاكَ اللَّه. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فِيهِ بِشَارَةٌ بِالسَّلَامَةِ، وَقَوْلَهُ: حَيَّاكَ اللَّه لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، فَكَانَ هَذَا أَكْمَلُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ السَّلَامِ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَمِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى سَلَّمَ عَلَى المؤمنين فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى كَأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْكَ فِي الْأَزَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي وَصْفِ ذَاتِهِ: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ [الحشر: ٢٣]، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى نُوحٍ وَجَعَلَ لَكَ من ذلك السلام نصيبا، فقال: قِيلَ/ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ [هُودٍ: ٤٨] وَالْمُرَادُ

صفحة رقم 161

مِنْهُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَالِثُهَا: سَلَّمَ عَلَيْكَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [الْقَدْرِ: ٥] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَافَ عَلَى أُمَّتِهِ أَنْ يَصِيرُوا مِثْلَ أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ اللَّه: لَا تَهْتَمَّ لِذَلِكَ فَإِنِّي وَإِنْ أَخْرَجْتُكَ مِنَ الدُّنْيَا، إِلَّا إِنِّي جَعَلْتُ جِبْرِيلَ خَلِيفَةً لَكَ، يَنْزِلُ إِلَى أُمَّتِكَ كُلَّ لَيْلَةِ قَدْرٍ وَيُبْلِغُهُمُ السَّلَامَ مِنِّي. وَرَابِعُهَا: سَلَّمَ عَلَيْكَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] فَإِذَا كُنْتَ مُتَّبِعَ الْهُدَى وَصَلَ سَلَامُ مُوسَى إِلَيْكَ. وَخَامِسُهَا: سَلَّمَ عَلَيْكَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النَّمْلِ: ٥٩] وَكُلُّ مَنْ هَدَى اللَّه إِلَى الْإِيمَانِ فَقَدِ اصْطَفَاهُ، كَمَا قَالَ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فَاطِرٍ: ٣٢] وَسَادِسُهَا: أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَافَهَةِ، فَقَالَ: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الْأَنْعَامِ: ٥٤] وَسَابِعُهَا: أَمَرَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْكَ قَالَ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وَثَامِنُهَا: سَلَّمَ عَلَيْكَ عَلَى لِسَانِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَقَالَ: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [النَّحْلِ: ٣٢] قِيلَ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَقُولُ فِي أُذُنِ الْمُسْلِمِ: السَّلَامُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: أَجِبْنِي فَإِنِّي مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ، وَاشْتَاقَتِ الْجَنَّاتُ وَالْحُورُ الْعِينُ إِلَيْكَ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُؤْمِنُ الْبِشَارَةَ، يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: لِلْبَشِيرِ مِنِّي هَدِيَّةٌ، وَلَا هَدِيَّةَ أَعَزُّ مِنْ رُوحِي، فَاقْبِضْ رُوحِي هَدِيَّةً لَكَ، وَتَاسِعُهَا: السَّلَامُ مِنَ الْأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ [الْوَاقِعَةِ: ٩١] وَعَاشِرُهَا: سَلَّمَ اللَّه عَلَيْكَ عَلَى لِسَانِ رِضْوَانَ خَازِنِ الْجَنَّةِ فَقَالَ تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً إِلَى قَوْلِهِ: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزُّمَرِ: ٧٣] وَالْحَادِيَ عَشَرَ: إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ فَالْمَلَائِكَةُ يَزُورُونَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ. قَالَ تَعَالَى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤] وَالثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ مِنَ اللَّه مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الْأَحْزَابِ: ٤٤] وَقَوْلُهُ: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَلَاشَى سَلَامُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَبْقَى عَلَى تَجَلِّي نُورِ الْخَالِقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الدَّلَائِلِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ السَّلَامِ أَنَّ أَشَدَّ الْأَوْقَاتِ حَاجَةً إِلَى السَّلَامَةِ وَالْكَرَامَةِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ الِابْتِدَاءِ، وَوَقْتُ الْمَوْتِ، وَوَقْتُ الْبَعْثِ، واللَّه تَعَالَى لَمَّا أَكْرَمَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّمَا أَكْرَمَهُ بِأَنْ وَعَدَهُ السَّلَامَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
[مَرْيَمَ: ١٥] وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ أَيْضًا ذَلِكَ فَقَالَ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ/ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مَرْيَمَ: ٣٣].
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ تَعْظِيمَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الْأَحْزَابِ: ٥٦]
يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا دَخَلُوا قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَحَزِنَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: إِنْ كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكَ، فَأَنَا أَقُولُ مِنْ سُرَادِقَاتِ الْجَلَالِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إلى قوله: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
وَأَمَّا مَا يَدُلُّ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى فَضِيلَةِ السَّلَامِ فَمَا
رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ بِقُدُومِ الرَّسُولِ

صفحة رقم 162

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلْتُ فِي غِمَارِ النَّاسِ، فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».
وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ السَّلَامِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ فَوُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالُوا: تَحِيَّةُ النَّصَارَى وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ، وَتَحِيَّةُ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَحِيَّةُ الْمَجُوسِ الِانْحِنَاءُ، وَتَحِيَّةُ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَنْ يَقُولُوا: حَيَّاكَ اللَّه، وَلِلْمُلُوكِ أَنْ يَقُولُوا: أَنْعِمْ صَبَاحًا، وَتَحِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَنْ يَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ التَّحِيَّةَ أَشْرَفُ التَّحِيَّاتِ وَأَكْرَمُهَا. الثَّانِي: أَنَّ السَّلَامَ مُشْعِرٌ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ الصَّوْنِ عَنِ الضَّرَرِ أَوْلَى مِنَ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ النَّفْعِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَعْدَ بِالنَّفْعِ يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَقَدْ لَا يَقْدِرُ، أَمَّا الْوَعْدُ بِتَرْكِ الضَّرَرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَادِرًا عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ، وَالسَّلَامُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ السَّلَامَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ التَّحِيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النُّورِ: ٢٧]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَفْشُوا السَّلَامَ»
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. الثَّانِي: أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى إِنْسَانٍ كَانَ كَالطَّالِبِ لَهُ، ثُمَّ الْمَدْخُولُ عَلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَطْلُبُهُ لِخَيْرٍ أَوْ لِشَرٍّ، فَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ بَشَّرَهُ بِالسَّلَامَةِ وَآمَنَهُ مِنَ الْخَوْفِ، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِ وَاجِبَةٌ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِهِ»
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ وَاجِبًا. الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلَامَ مِنْ شَعَائِرَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِظْهَارُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الْمَشْهُورُ فَهُوَ أَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَلَى السَّلَامِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى/ وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها الثَّانِي: أَنَّ تَرْكَ الْجَوَابِ إِهَانَةٌ، وَالْإِهَانَةُ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ حَرَامٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مُنْتَهَى الْأَمْرِ فِي السَّلَامِ أَنْ يُقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الْوَارِدُ فِي التَّشَهُّدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَحْسَنُ هُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ زِيدَ فِي جَوَابِهِ الرَّحْمَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ السَّلَامَ وَالرَّحْمَةَ فِي الِابْتِدَاءِ زِيدَ فِي جَوَابِهِ الْبَرَكَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ فِي الِابْتِدَاءِ أَعَادَهَا فِي الْجَوَابِ.
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. وَآخَرُ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، وَجَاءَ ثَالِثٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: نَقَصْتَنِي، فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّه: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ مَا تَرَكْتَ لِي فَضْلًا فَرَدَدْتُ عَلَيْكَ مَا ذَكَرْتَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْمُبْتَدِئُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَالْمُجِيبُ، يَقُولُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الْحَسَنُ، وَالَّذِي خَطَرَ بِبَالِي فِيهِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَانَ الِابْتِدَاءُ وَاقِعًا بِذِكْرِ اللَّه، فَإِذَا قَالَ الْمُجِيبُ:
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ كَانَ الِاخْتِتَامُ وَاقِعًا بِذِكْرِ اللَّه، وَهَذَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الْحَدِيدِ: ٣] وَأَيْضًا لَمَّا

صفحة رقم 163

وَقَعَ الِابْتِدَاءُ وَالِاخْتِتَامُ بِذِكْرِ اللَّه فَإِنَّهُ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا يَصِيرُ مَقْبُولًا ببركته كما في قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هُودٍ: ١١٤] فَلَوْ خَالَفَ الْمُبْتَدِئُ فَقَالَ:
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ، فَالْأَوْلَى لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَرَكَ الِافْتِتَاحَ بِذِكْرِ اللَّه، فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الِاخْتِتَامَ بِذِكْرِ اللَّه.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إِنْ شَاءَ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالَ تَعَالَى فِي حق نوح: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هُودٍ: ٤٨] وَقَالَ عَنِ الْخَلِيلِ: قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مَرْيَمَ: ٤٧] وقال في قصة لوط: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [هود: ٦٩] وقال عن يحيى: وَسَلامٌ عَلَيْهِ
وَقَالَ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ [النَّمْلِ: ٥٩] وَقَالَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤] وَقَالَ عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] وقال:
فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَأَمَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَقَوْلُهُ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] وَقَالَ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ/ أَمُوتُ [مَرْيَمَ: ٣٣] فَثَبَتَ أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ، وَأَمَّا فِي التَّحْلِيلِ مِنَ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ التَّنْكِيرَ أَفْضَلُ أَمِ التَّعْرِيفُ؟ فَقِيلَ التَّنْكِيرُ أَفْضَلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ السَّلَامِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ أَفْضَلَ. الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ مِنَ اللَّه وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ عَلَى مَا عَدَدْنَاهُ فِي الْآيَاتِ، وَأَمَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَإِنَّمَا وَرَدَ فِي تَسْلِيمِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ [مريم: ٣٣] وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ أَنَّ لَفْظَ السَّلَامِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ الْمَاهِيَّةِ، وَالتَّنْكِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ وَصْفِ الْكَمَالِ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَرَاكِبُ الْفَرَسِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْأَقَلُّ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَالْقَائِمُ عَلَى الْقَاعِدِ».
وَأَقُولُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّاكِبَ أَكْثَرُ هَيْبَةً فَسَلَامُهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْخَوْفِ وَالثَّانِي: أَنَّ التَّكَبُّرَ بِهِ أَلْيَقُ، فَأُمِرَ بِالِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ كَسْرًا لِذَلِكَ التَّكَبُّرِ، وَأَمَّا أَنَّ الْقَائِمَ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَاعِدِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ، فَلَا بُدَّ وَأَنَّ يَفْتَتِحَ هَذَا الْوَاصِلُ الْمَوْصُولَ بِالْخَيْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: السُّنَّةُ فِي السَّلَامِ الْجَهْرُ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي إِدْخَالِ السُّرُورِ فِي الْقَلْبِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: السُّنَّةُ فِي السَّلَامِ الْإِفْشَاءُ وَالتَّعْمِيمُ لِأَنَّ فِي التَّخْصِيصِ إِيحَاشًا.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ السَّلَامِ عَادَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا تَصَافَحَ الْمُسْلِمَانِ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ».
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَقْرِئْ فُلَانًا عَنِّي السَّلَامَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِذَا اسْتَقْبَلَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَاقْصِدِ الرَّجُلَ وَالْمَلَكَيْنِ فَإِنَّكَ إِذَا سَلَّمْتَ عَلَيْهِمَا رَدَّا السَّلَامَ عَلَيْكَ، وَمَنْ سَلَّمَ الْمَلَكُ عَلَيْهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ عَذَابِ اللَّه.

صفحة رقم 164

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: إِذَا دَخَلْتَ بَيْتًا خَالِيًا فَسَلِّمْ، وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّكَ تُسَلِّمُ مِنَ اللَّه عَلَى نَفْسِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّكَ تُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِيهِ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّكَ تَطْلُبُ السَّلَامَةَ بِبَرَكَةِ السَّلَامِ مِمَّنْ فِي الْبَيْتِ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَالْمُؤْذِيَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَكَذَا الْمُجِيبُ.
رُوِيَ أَنَّ وَاحِدًا سَلَّمَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَانَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَقَامَ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: السُّنَّةُ إِذَا الْتَقَى إِنَسَانَانِ أَنْ يَبْتَدِرَا بِالسَّلَامِ إِظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: لِنَذْكُرِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي لَا يُسَلَّمُ فِيهَا، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ:
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُبْدَأُ الْيَهُودِيُّ بِالسَّلَامِ،
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ فِي كِتَابٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَا تُصَافِحْهُمْ، وَإِذَا دَخَلْتَ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتبع الهدى. ورخص بعض العلماء فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ، وَأَمَّا إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْنَا فَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَعَلَيْكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَى الرَّسُولِ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ، فَجَرَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ، ثم هاهنا تَفْرِيعٌ وَهُوَ أَنَّا إِذَا قُلْنَا لَهُمْ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَهَلْ يَجُوزُ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ فِيهِ؟ قَالَ الْحَسَنُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْكَافِرِ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، لَكِنْ لَا يُقَالُ وَرَحْمَةُ اللَّه لِأَنَّهَا اسْتِغْفَارٌ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ:
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ فِي رَحْمَةِ اللَّه يَعِيشُ. الثَّانِي: إِذَا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ سَلَّمَ فَرَدَّ بَعْضُهُمْ فَلَا بَأْسَ، وَلَوِ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِشَارَةِ كَانَ أَحْسَنَ. الثَّالِثُ: إِذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ فَرَأَى النَّاسَ مُتَّزِرِينَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُتَّزِرِينَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، الرَّابِعُ: الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى الْقَارِئِ، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالْجَوَابِ يَقْطَعُ عَلَيْهِ التِّلَاوَةَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، الْخَامِسُ: لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. السَّادِسُ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ. لَا يُسَلِّمُ عَلَى لَاعِبِ النَّرْدِ، وَلَا عَلَى الْمُغَنِّي، وَمُطَيِّرِ الْحَمَامِ، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِنَوْعِ مَعْصِيَةٍ، السَّابِعُ: لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ،
مَرَّ عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجُلٌ وَهُوَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَامَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الْجِدَارِ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ الْجَوَابَ، وَقَالَ: «لَوْلَا أَنِّي خَشِيتُ أَنَّ تَقُولَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ الْجَوَابَ لَمَا أَجَبْتُكَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ سَلَّمْتَ عَلَيَّ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ»
الثَّامِنُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ سَلَّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَإِنْ حَضَرَتْ أَجْنَبِيَّةٌ هُنَاكَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فِي أَحْكَامِ الْجَوَابِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ: رَدُّ الْجَوَابِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وَلِأَنَّ تَرْكَ الْجَوَابِ إِهَانَةٌ وَضَرَرٌ وَحَرَامٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ فَيُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ إِلَّا نَزَعَ عَنْهُمْ رُوحُ الْقُدُسِ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ.
الثَّانِي: رَدُّ الْجَوَابِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَالْأَوْلَى لِلْكُلِّ أَنْ يَذْكُرُوا الْجَوَابَ إِظْهَارًا لِلْإِكْرَامِ وَمُبَالَغَةً فِيهِ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ/ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى انْقَضَى الْوَقْتُ فَإِنْ أَجَابَ بَعْدَ فَوْتِ الْوَقْتِ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ سَلَامٍ وَلَا يَكُونُ جَوَابًا. الرَّابِعُ: إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ سَلَامٌ فِي كِتَابٍ فَجَوَابُهُ بِالْكَتَبَةِ أَيْضًا وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها الْخَامِسُ: إِذَا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمُ السلام. إلا أن السنة أن يزيد فيه الرحمة والبركة ليدخل تحت قوله (فحيوا بأحسن منها) أما إذا

صفحة رقم 165
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية