آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً يَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَهُوَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ بَاطِلٌ، وَإِنَّ قَوْلَ النَّاسِ يَخْتَلِفُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال:
لما اعتزل النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ النَّاسَ يَنْكُتُونَ بالحصى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ، قَالَ: هَذَا فِي الْإِخْبَارِ إِذَا غَزَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخْبَرَ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالُوا: أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَأَصَابَ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا وَكَذَا. فَأَفْشَوْهُ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ هُوَ يُخْبِرُهُمْ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: وَإِذا جاءَهُمْ قَالَ: هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ قَالَ: فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا فَهُوَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ يُخْبِرُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وإِلَّا قَلِيلًا يعني بالقليل المؤمنين.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٤ الى ٨٧]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَقاتِلْ قِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَخْ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ هَذَا فَقَاتِلْ وَقِيلَ: مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَاتِلْ وَقِيلَ: هِيَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، تَقْدِيرُهُ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ فَقَاتِلْ، أَوْ إِذَا أَفْرَدُوكَ وَتَرَكُوكَ فَقَاتِلْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَادِ وَإِنْ قَاتَلَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
هَذَا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجيء فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّ الْقِتَالَ فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ الْأُمَّةِ، فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ فِي اللَّفْظِ، وَفِي الْمَعْنَى لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، أَيْ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِكَ يُقَالُ لَهُ: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أَيْ: لَا تُكَلَّفُ غَيْرَ نَفْسِكَ وَلَا تُلْزَمُ فِعْلَ غَيْرِكَ، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ مُقَرِّرٌ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَكْلِيفِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ مِنْ مُوجِبَاتِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْقِتَالِ وَحْدَهُ، وَقُرِئَ: لَا تُكَلَّفُ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَقُرِئَ: بِالنُّونِ. قَوْلُهُ: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: حُضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ، يُقَالُ: حَرَّضْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا: إِذَا أَمَرْتَهُ بِهِ، وَحَارَضَ فُلَانٌ عَلَى الْأَمْرِ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِ، وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ:

صفحة رقم 568

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيهِ إِطْمَاعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَفِّ بَأْسِ الَّذِينَ كَفَّرُوا عَنْهُمْ، وَالْإِطْمَاعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبٌ، فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَوَعْدُهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أَيْ: أَشَدُّ صَوْلَةً، وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أَيْ: عُقُوبَةً، يُقَالُ: نَكَّلْتُ بِالرَّجُلِ تَنْكِيلًا: مِنَ النَّكَالِ، وَهُوَ الْعَذَابُ.
وَالْمُنَكِّلُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُنَكِّلُ بِالْإِنْسَانِ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها أَصْلُ الشَّفَاعَةِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهِمَا: مِنَ الشَّفْعِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَمِنْهُ: الشَّفِيعُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ صَاحِبِ الْحَاجَةِ شَفْعًا، وَمِنْهُ نَاقَةٌ شَفُوعٌ:
إِذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَاقَةٌ شَفِيعٌ: إِذَا اجْتَمَعَ لَهَا حَمْلٌ وَوَلَدٌ يَتْبَعُهَا. وَالشَّفْعُ: ضَمُّ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ. وَالشُّفْعَةُ: ضَمُّ مِلْكِ الشَّرِيكِ إلى ملكك، فَالشَّفَاعَةُ: ضَمُّ غَيْرِكَ إِلَى جَاهِكَ وَوَسِيلَتِكَ، فَهِيَ عَلَى التَّحْقِيقِ إِظْهَارٌ لِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمُشَفَّعِ، وَاتِّصَالُ مَنْفَعَةٍ إِلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ. وَالشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ: هِيَ فِي الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ. وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ: فِي الْمَعَاصِي، فَمَنْ شَفَعَ فِي الْخَيْرِ لِيَنْفَعَ فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا: أَيْ مِنْ أَجْرِهَا، وَمَنْ شَفَعَ فِي الشَّرِّ- كَمَنْ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ- كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، أَيْ: نَصِيبٌ مِنْ وِزْرِهَا. وَالْكِفْلُ: الْوِزْرُ وَالْإِثْمُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْكِسَاءِ الَّذِي يَجْعَلُهُ الرَّاكِبُ عَلَى سَنَامِ الْبَعِيرِ لِئَلَّا يَسْقُطَ يقال: اكتفلت البعير: إذا أدرت عَلَى سَنَامِهِ كِسَاءً وَرَكِبْتَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الظَّهْرَ كُلَّهُ، بَلِ اسْتَعْمَلَ نَصِيبًا مِنْهُ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي النَّصِيبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْخَيْرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ «١». وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً أَيْ: مُقْتَدِرًا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَقِيتُ: الَّذِي يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قُوتَهُ، يُقَالُ: قُتُّهُ، أَقُوتُهُ، قُوتًا، وَأَقَتُّهُ، أُقِيتُهُ، إِقَاتَةً، فَأَنَا قَائِتٌ، وَمُقِيتٌ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: أَقَاتَ يُقِيتُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُقِيتُ: الْحَافِظُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ، وَالْقُوتُ مَعْنَاهُ:
مِقْدَارُ مَا يَحْفَظُ الْإِنْسَانَ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ: الْمُقِيتُ: الْمُقْتَدِرُ. وَالْمَقِيتُ: الْحَافِظُ وَالشَّاهِدُ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: إِنَّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها التَّحِيَّةُ: تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَيْتُ، وَالْأَصْلُ تَحْيِيَةٌ، مِثْلَ: تَرْضِيَةٍ وَتَسْمِيَةٍ، فَأَدْغَمُوا الْيَاءَ فِي الْيَاءِ، وَأَصْلُهَا:
الدُّعَاءُ بِالْحَيَاةِ. وَالتَّحِيَّةُ: السَّلَامُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَمِثْلُهُ قوله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ «٢» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحِيَّةِ هُنَا: تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. وقال أصحاب أبي حنيفة، التحية هُنَا: الْهَدِيَّةُ، لِقَوْلِهِ: أَوْ رُدُّوها وَلَا يُمْكِنُ رَدُّ السَّلَامِ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها: أَنْ يَزِيدَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا قَالَهُ المبتدئ بالتحية، فَإِذَا قَالَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ الْمُجِيبُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَإِذَا زَادَ الْمُبْتَدِئُ لَفْظًا، زَادَ الْمُجِيبُ عَلَى جُمْلَةِ مَا جَاءَ بِهِ الْمُبْتَدِئُ لَفْظًا أَوْ أَلْفَاظًا نَحْوَ: وَبَرَكَاتُهُ وَمَرْضَاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا، وَرَدَّهُ فَرِيضَةٌ، لِقَوْلِهِ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وَاخْتَلَفُوا إِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ هَلْ يجزئ أولا؟ فذهب مالك والشافعي إلى
(١). الحديد: ٢٨. [.....]
(٢). المجادلة: ٨.

صفحة رقم 569

الْإِجْزَاءِ، وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يجزئ عن الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ حَسَّنَ الْحَدِيثَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ رُدُّوها الِاقْتِصَارُ عَلَى مِثْلِ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُبْتَدِئُ، فَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عليكم، قال المجيب: وعليك السَّلَامُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ التَّحِيَّةَ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا: مَا يُغْنِي عَنِ الْبَسْطِ هَاهُنَا. قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً يُحَاسِبُكُمْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: حَفِيظًا وَقِيلَ: كَافِيًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَحْسَبَنِي كذا، أي: كفاني، ومثله:
«حسبك الله». قَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَاللَّهِ لَيَجْمَعَنَّكُمُ اللَّهُ بِالْحَشْرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: إِلَى حِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ: إِلَى:
بِمَعْنَى فِي وَقِيلَ: إِنَّهَا زَائِدَةٌ. وَالْمَعْنَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ويَوْمِ الْقِيامَةِ: يَوْمُ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ لَا رَيْبَ فِيهِ أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ: فِي الْجَمْعِ، أَيْ: جَمْعًا لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً إِنْكَارٌ لِأَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَصْدَقَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: وَمَنْ «أَزْدَقُ» بِالزَّايِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالصَّادِ، وَالصَّادُ الْأَصْلُ. وَقَدْ تُبْدَلُ زَايًا لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا مِنْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ فِي قَوْلِهِ: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: عِظْهُمْ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أبي حاتم عن مجاهد في قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً الْآيَةَ، قَالَ: شَفَاعَةُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها قَالَ: حَظٌّ مِنْهَا. وَقَوْلِهِ: كِفْلٌ مِنْها قَالَ: الْكِفْلُ: هُوَ الْإِثْمُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْكِفْلُ: الْحَظُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً قَالَ: حَفِيظًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ: أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً قَالَ: يُقِيتُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِ عَمَلِهِ. وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مُقِيتاً قَالَ: شَهِيدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ: مُقِيتاً قَالَ: شَهِيدًا حَسِيبًا حَفِيظًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: مُقِيتاً قَالَ: قَادِرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْمَقِيتُ: الْقَدِيرُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ زَيْدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْمُقِيتُ: الرَّزَّاقُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ قَالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ أَتَى

صفحة رقم 570
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية