آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

يقول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لولا منُّ الله عليكم ورحمته ونعمته لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ فيه تقديم وتأخير. وقال مقاتل: أذاعوا به أي أفشوه إِلَّا قَلِيلًا منهم لا يفشون الخبر. وقال الزجاج: أَذاعُوا بِهِ أي أظهروه. ومعنى يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي يستخرجونه، وأصله من النبط وهو أول الماء الذي يخرج من البئر إذا حفرت، ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوا من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعف المسلمين وعلموا من النبي ﷺ وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك. وقال عكرمة لعلمه الذين يخوضون فيه ويسألون عنه. وقال أبو العالية: يعني الذين يستحسنونه منهم. وقال الضحاك: ولو ردوا أمرهم في الحلال والحرام إلى الرسول في التصديق به والقبول منه، وإلى أولى الامر منهم، يعني حملة الفقه والحكمة، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، يعني يتفحصون عن العلم. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بالقرآن لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا وهم الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى. وفي هذه الآية دليل على جواز الاستنباط من الخبر والكتاب، لأن الله تعالى قد أجاز الاستنباط من قبل الرسول وأهل العلم.
ثم قال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله لاَ تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ قال مقاتل:
يعني ليس عليك ذنب غيرك. وقال الزجاج: أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالجهاد وإن قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر. وقال أبو بكر في أهل الردة: لو خالفتني يميني لجاهدت بشمالي. ويقال: واعد رسول الله ﷺ أبا سفيان بأن يخرج إلى بدر الصغرى، فكره المسلمون الخروج فأمره الله تعالى بأن يخرج وإن كان وحده. فقال: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أي على القتال، يعني على الجهاد بقتال أعداء الله عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي يمنع قتال الذين كفروا. والبأس هو القتال، كما قال في آية أخرى وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: ١٧٧] ثم قال تعالى: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أي عذاباً. ويقال: وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أي أشد عقوبة في الآخرة عن عقوبة الكفار في الدنيا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها قال الضحاك: يعني مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً في الإسلام، فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.

صفحة رقم 322

وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها أي من سنّ في الإسلام سنة قبيحة محدثة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وقال الكلبي:
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يعني: يصلح بين اثنين يكن له أجر منها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يمشي بالنميمة والغيبة، يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها يعني إثم منها. وقال مجاهد: إنما هي شفاعة في الناس بعضهم لبعض، يعني يشفع لأخيه المسلم في دفع المظلمة عنه. وروى سفيان عن عمرو بن دينار أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «اشْفَعُوا إِلَيَّ تُؤْجَرُوا فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي الأمْرَ فَأَمْنَعُهُ كَيْ مَا تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا». وقال الحسن: الشفاعة تجري أجرها لصاحبها ما جرت منفعتها، والكفل في اللغة النصيب. كقوله تعالى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: ٢٨] ثم قال تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً والمقيت المقتدر. يقال: أقات على الشيء يعني اقتدر. ويقال:
المقيت الشاهد على الشيء، الحافظ له، ويقال: مقيتاً يعني: بيده الرزق وعليه قوت كل دابة، كقوله تعالى وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها [فصلت: ١٠].
قوله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ يعني إذا سلم عليكم فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أي ردوا جوابها بأحسن منها أَوْ رُدُّوها أي مثلها، فأمر الله تعالى المسلمين برد السلام، بأن يردوا بأحسن منها، وهو أن يقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو يرد مثله، فيقول:
وعليكم السلام، وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها للمسلمين، أو ردوها لأهل الذمة، فيقول لهم: وعليكم، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً دخل عليه، وقال: السلام عليكم، فقال له: «وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ». ودخل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فقال: «لَكَ عِشْرُونَ حَسَنَةً». ودخل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فقال: «لَكَ ثَلاثُونَ حَسَنَةً». وروي عنه أنه نهى أن ينقص الرجل من سلامه أو من ردّه، وهو أن يقول: السلام عليك، ولكن ليقل: السلام عليكم. ويقال: إنما ذلك للمؤمنين، لأن المؤمن لا يكون وحده ولكن يكون معه الملائكة. وفي هذه الآية دليل أن السلام سنة، والرد واجب لأن الله تعالى أمر بالرد، والأمر من الله تعالى واجب ويقال: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها يعني إذا أهدي إليكم بهدية، فكافئوا بأفضل منها أو مثلها. وهذا التأويل ذكر عن أبي حنيفة.
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أي مجازياً.
قوله تعالى: اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ نزلت في شأن الذين شكوا في البعث، فأقسم الله تعالى بنفسه لَيَجْمَعَنَّكُمْ وهذه لام القسم، وكل لام بعدها نون مشددة فهي لام القسم. وقوله:
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ قال بعضهم: إلى صلة في الكلام، معناه ليجمعنكم يوم القيامة. ويقال:
ليجمعنكم في الموت وفي قبوركم إلى يوم القيامة، ثم يبعثكم لاَ رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه،

صفحة رقم 323
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية