آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

قوله: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا لأنَّه لا وَجْهَ له فإنَّه لولا فَضْلُ اللَّهِ ورحْمَتُهُ، لاتبعوا الشيْطَانَ كلُّهم. انتهى، وهو حَسَنٌ، وأما قوله: «لا وَجْهَ له»، ففيه نظَرٌ، فقد وجَّهه العلماءُ بما لا نُطِيلُ بذكْره.
وقوله تعالى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... الآية: هذا أمر في ظاهر اللّفظ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَحْده، لكن لم نَجِدْ قَطُّ في خَبَرٍ، أنّ القتال فرض على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دون الأُمَّة مُدَّةً مَّا، والمعنى، واللَّه أعلَمُ أنه خطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في اللفظِ، وهو مثالُ مَا يُقَالُ لكلِّ واحدٍ في خاصَّة نَفْسه، أي: أنْتَ، يا محمَّد، وكلُّ واحدٍ من أمَّتك القولُ لَهُ: فقاتِلْ في سبيلِ اللَّه، لا تُكَلَّف إلاَّ نَفْسَكَ، ولهذا ينبغي لكلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يستَشْعِرَ أنْ يُجَاهِدَ، ولو وحْدَه ومِنْ ذلك قولُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وَاللَّهِ، لأُقَاتِلَنَّكُمْ حتى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي «١» » «٢»، وقولُ أبِي بَكْرٍ (رضي اللَّه عنه) وَقْتَ الرِّدَّةِ: «وَلَوْ خَالَفَتْنِي يَمِينِي، لَجَاهَدتُّهَا بِشِمَالِي»، وعسى إذا وردَتْ من اللَّه تعالى، فقال عكرمة وغيره: هي واجِبَةٌ بفَضْلِ اللَّه ووَعْده الجميلِ «٣»، قلْتُ: أيْ: واقعٌ مَّا وعَدَ به سبحانه، والتنكيلُ: الأخْذُ بأنواع العذاب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
وقوله سبحانه: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً... الآية: قال مجاهدٌ وغيره: هي في شَفَاعَاتِ النَّاس بينهم في حوائجهم، فَمَنْ يشفعْ لينفَع، فلَهُ نصيبٌ، ومَنْ يشفعْ ليضُرَّ، فله «٤» كِفْلٌ، والكِفْلُ: النَّصيبُ، ويستعمل في الخَيْرِ وفي الشَّرِّ، وفي كتاب اللَّه تعالى:
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: ٢٨]، وروى أبو داود، عن أبي أُمَامَةَ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

(١) السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه، وكنى بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت. وقيل: أراد حتى يفرّق بين رأسي وجسدي. ينظر: «النهاية» (٢/ ٣٩٠).
(٢) أخرجه البخاري (٥/ ٣٨٨- ٣٩٢)، كتاب «الشروط»، باب الشروط في الجهاد، حديث (٢٧٣١)، (٢٧٣٢)، وأحمد (٤/ ٣٢٩) من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم.
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٨٦).
(٤) أخرجه الطبري (٤/ ١٨٨) برقم (١٠٠٢١)، وذكره البغوي (١/ ٤٥٧)، وابن عطية (٢/ ٨٦)، وابن كثير (١/ ٥٣١)، والسيوطي (٢/ ٣٣٥)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.

صفحة رقم 270

أنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَفَعَ لأحَدٍ شَفَاعَةً، فأهدى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أتى بَاباً عظيما من أبواب الرّبا» «١». انتهى.
ومُقِيتاً: معناه: قديراً ومنه قولُ الزُّبَيْر بْنِ عبدِ المُطَّلِبِ: [الوافر]

وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْه وَكُنْتُ على إسَاءَتِهِ مُقِيتَا «٢»
أيْ: قديراً.
وقيل: مُقِيتاً: معناه شهيداً، وقيل: حفيظاً.
وذهب مقاتلٌ إلى أنه الذي يَقُوتُ كلَّ حيوان، قال الداوديّ: قال الكلبيُّ المَقِيتُ هو المُقْدِرُ بلُغَة قُرَيْشٍ. انتهى.
وقوله سبحانه: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ... الآية: قالتْ فرقةٌ: معنى الآية: تخييرُ الرَّادِّ فإذا قال البادئ: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ»، فللرادِّ أنْ يقولَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ» فقطْ، وهذا هو الرَّدُّ، وله أنْ يقولَ: «وعَلَيْكَ السَّلاَمُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، وهذا هو التحيَّة بأحْسَنَ، ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ وغيره انتهاء السَّلام إلى البَرَكة، وقالَتْ فرقةٌ: المعنى: إذا حُيِّيتم بتحيةٍ، فإن نَقَص المسلِّمُ مِنَ النهاية، فحَيُّوا بأحْسَنَ منها، وإن انتهى، فردُّوها، كذلك قال عطاءٌ، والآيةُ في المؤمنين خاصَّةً، ومَنْ سَلَّم من غيرهم، فيقالُ لَهُ: «عَلَيْكَ» كما»
في الحديث «٤»، وفي
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٣١٤)، كتاب «البيوع»، باب في الهدية لقضاء الحاجة، حديث (٣٥٤١) من طريق خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة به.
(٢) البيت من شواهد «البحر المحيط» (٣/ ٣١٦)، و «الدر المصون» (٢/ ٤٠٥)، و «الكشاف» (١/ ٥٤٣).
والضغن: الحقد. والإقاتة: الاقتدار، وروى الصاغاني: أقيت، وروى بعده:
يبيت الليل مرتفقا ثقيلا على فرش الفتاة وما أبيت
وطن إليّ منه مؤذيات كما تؤذي الجذامير البروت
(٣) أخرجه الطبري (٤/ ١٩١) برقم (١٠٠٤٠)، وذكره ابن عطية (٢/ ٨٧)، والسيوطي (٢/ ٣٣٧)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(٤) قال الخطابي في «معالم السنن» (٤/ ١٥٤) : هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم «بالواو»، وكان سفيان بن عيينة يرويه: «عليكم» بحذف الواو، وهو الصواب وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم، والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين.
وقال الحافظ: «الفتح» (١١/ ٤٨) : قال النووي: الصواب أن حذف الواو وإثباتها ثابتان جائزان وبإثباتها أجود، ولا مفسدة فيه، وعليه أكثر الروايات، وفي معناها وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا: عليكم الموت، فقال: وعليكم أيضا، أي: نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت. -[.....]

صفحة رقم 271

أبي داود، والترمذيّ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بالسَّلاَمِ» «١». انتهى.
وأكثرُ أهل العلْمِ على أنَّ الابتداءَ بالسَّلاَمِ سُنَّةٌ مؤكَّدة، وَرَدُّه «٢» فريضةٌ لأنه حقٌّ من الحقوقِ قاله الحسن وغيره، قال «٣» النوويُّ: وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ، فَيُصَلِّيَانِ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا، مَا تقدّم منها وما تأخّر» «٤»، وروّينا

- والثاني: أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك، والتقدير: وعليكم ما تستحقونه من الذم.
وقال البيضاوي: في العطف شيء مقدر، والتقدير: وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون، وليس هو عطفا على «عليكم» في كلامهم، وقال القرطبي: قيل: الواو للاستئناف، وقيل: زائدة، وأولى الأجوبة أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا.
وحكى ابن دقيق العيد عن ابن رشد تفصيلا يجمع الروايتين: إثبات الواو، وحذفها فقال: من تحقق أنه قال: السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو، ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو، فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال. وقال النووي تبعا لعياض: من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو، ومن فسرها بالسامة فإسقاطها هو الوجه. قلت: بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت، وهو أولى من تغليط الثقة.
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٧٢)، كتاب «الأدب»، باب في فضل من بدأ بالسلام، حديث (٥١٩٧)، والترمذي (٥/ ٥٦)، كتاب «الاستئذان»، باب ما جاء في فضل الذي يبدأ بالسلام، حديث (٢٦٩٤)، وأحمد (٥/ ٢٤٥، ٢٦١، ٢٦٤، ٢٦٩) من حديث أبي أمامة.
(٢) ابتداء السلام سنة عين من الواحد، ولو صبيا ولو على من ظن أنه لا يرد، ومن الجماعة سنة كفاية ورده فرض عين على الواحد عند إقباله وانصرافه، وكذا لو علمه واحد فقط من الجماعة ولو كان المسلم صبيا مميزا، وفرض كفاية إن كان على جماعة اثنين فأكثر مسلمين مكلفين وسكارى لهم نوع تمييز عالمين به ولو نساء، ولم يتحلل به من صلاة، وإن كرهت صيغته، ولو أسقط المسلم حقه لم يسقط لأن الحق لله تعالى، ولو ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض، كالمصلين على جنازة، وشرطه إسماع واتصال كاتصال الإيجاب بالقبول.
واعلم أن ابتداء السلام أفضل من رده، وهذا من المسائل التي استثنيت من كون الفرض أفضل من التطوع، ومنها إبراء المعسر أفضل من انتظاره لكن رد ذلك العلامة ابن حجر في: «التحفة» بأن سبب الفضل في هذين: اشتمال المندوب على مصلحة الواجب، وزيادة إذ بالإبراء زال الانتظار، وبالابتداء حصل أمن أكثر مما في الجواب، أي: ففضله عليه من حيث اشتماله على مصلحة الواجب لا من ذاته، ولا من حيث كونه مندوبا، وقد وقفت للعلامة ابن علان في ذلك على هذين البيتين:
الفرض أفضل من نفل وإن كثرا فيما عدا صور أخذها حوت دررا
بدء السلام أذان والطهارة من قبيل وقت مع الإبرار لمن عسرا
ينظر: «سبعة كتب مفيدة» ص (١٤١، ١٤٤).
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٨٧)، وابن كثير (١/ ٥٣٢)، والسيوطي (٢/ ٣٣٨)، وعزاه للبخاري في «الأدب المفرد»، وابن المنذر عن ابن عباس.
(٤) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (١٩٣).

صفحة رقم 272
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية