آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

- ٢ - وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً
- ٣ - وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا
- ٤ - وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئًا
يَأْمُرُ تَعَالَى بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، وَيَنْهَى عَنْ أَكْلِهَا وَضَمِّهَا إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا تَعْجَلْ بِالرِّزْقِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ الَّذِي قُدِّرَ لَكَ، وَقَالَ سَعِيدُ بن جبير: لا تتبدلوا الْحَرَامَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْحَلَالِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، يقول: لا تبدلوا أَمْوَالَكُمُ الْحَلَالَ وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمُ الْحَرَامَ، وَقَالَ سَعِيدُ بن المسيب: لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً، وقال الضحاك لا تعط زيقاً وَتَأْخُذْ جَيِّدًا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَأْخُذُ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مَكَانَهَا الشَّاةَ الْمَهْزُولَةَ، وَيَقُولُ: شَاةٌ بِشَاةٍ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ الْجَيِّدَ وَيَطْرَحُ مَكَانَهُ الزَّيِّفَ وَيَقُولُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير: أَيْ لَا تَخْلِطُوهَا فَتَأْكُلُوهَا جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيرًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ إثماً عظيماً. وفي الحديث المروي في سنن أبو دَاوُدَ: «اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا» وَرَوَى ابْنُ مردويه بإسناده عن ابن عباس: أنا أيا أَيُّوبَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ كَانَ حُوبًا» قَالَ ابْنُ سيرين: الحوب الإثم، وعن أنَس: أن أبا ايوب أرد طلاق أم أيوب، فاستأذن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ طلاق أم أيوب لحوب» فأمسكها وَالْمَعْنَى: إِنَّ أَكْلَكُمْ أَمْوَالَهُمْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ إِثْمٌ عَظِيمٌ وَخَطَأٌ كَبِيرٌ فَاجْتَنِبُوهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى﴾ أَيْ إِذَا كَانَ تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يُعْطِيَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَلْيَعْدِلْ إِلَى مَا سِوَاهَا، فَإِنَّهُنَّ كَثِيرٌ وَلَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ البخاري عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ

صفحة رقم 355

فيه ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ﴾ أَحْسَبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وفي ماله، ثم قال البخاري: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى﴾ قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسط فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يقسطوا إليهن، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أن ينكحوا ما طاب له مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ في الآية الأخرى: و ﴿ترغبون أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾ رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال، فنهو أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ.
وَقَوْلُهُ ﴿مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ أَيِ انْكِحُوا مَا شِئْتُمْ مِّن النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ إِنْ شَاءَ أَحَدُكُمْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ أي منهم من له جناحان، ومنه مَنْ لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَلَا يَنْفِي مَا عَدَا ذَلِكَ فِي الْمَلَائِكَةِ لِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ قَصْرِ الرِّجَالِ عَلَى أربع فمن هذه الآية كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ امْتِنَانٍ وَإِبَاحَةٍ، فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبِيِّنَةُ عَنِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نسوة، وهذا الذي قاله الشافعي مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى تِسْعٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِلَا حَصْرٍ وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بَعْضُهُمْ بِفِعْلِ رسول الله ﷺ في جَمْعِهِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى تِسْعٍ كما ثبت في الصحيح، وهذا عند العلماء من خصائصه دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الأحاديث الدالة على الحصر في أربع، ولنذكر الأحاديث في ذلك. قال الإمام أحمد عَنْ سَالِمٍ عَنِ أَبِيهِ: أَنَّ (غَيْلَانَ بْنَ سلمة الثقفي) أسلم وتحته عشر نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا»، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ، وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فقذفه في نفسك، ولعلك لا تلبث إِلَّا قَلِيلًا، وَايْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ وَلَتَرْجِعَنَّ مَالِكَ أَوْ لَأُورِثُهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ كما رجم قبر أبي رغال (رواه الترمذي وابن ماجة والدارقطني إلى قوله: ﴿اختر منهن أربعاً﴾ والباقي من رواية أحمد} وعن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ (غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ) كَانَ عِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، هَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ. فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَسَوَّغَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرَهُنَّ فِي بقاء العشرة وقد أسلمن، فَلَمَّا أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِ أَرْبَعٍ وَفِرَاقِ سَائِرِهِنَّ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ من أربع بحال، فإذا كَانَ هَذَا فِي الدَّوَامِ، فَفِي الِاسْتِئْنَافِ بِطَرِيقِ الأولى والأحرى، والله سبحانه أعلم بالصواب.
(حديث آخر) قال الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اخْتَرْ أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شِئْتَ وَفَارِقِ الْأُخْرَى»، فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً، عَجُوزٍ عَاقِرٍ

صفحة رقم 356

مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتُهَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي، وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم﴾ أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تَعْدِلُوا بَيْنَهُنَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ ولو حرصتم﴾ فمن خاف من ذلك فليقتصر عَلَى وَاحِدَةٍ أَوْ عَلَى الْجَوَارِي السَّرَارِي، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَسْمٌ بَيْنَهُنَّ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ. وَقَوْلُهُ: ﴿ذلك أدنى أَن لا تعولو﴾ قال بعضهم: ذلك أدنى أَن لاتكثر عيالكم قاله زيد بن أسلم والشافعي وهو مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِن خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ أَيْ فَقْرًا ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ﴾ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ * ومَا يَدرِي الْغَنِيُّ مَتَى يُعِيلُ؟
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَالَ الرَّجُلُ يُعِيلُ عَيْلَةً إِذَا افْتَقَرَ، وَلَكِنْ في هذا التفسير ههنا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ كَمَا يُخْشَى كَثْرَةُ الْعَائِلَةِ مِنْ تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراي أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾ أَيْ لَا تَجُورُوا يُقَالُ: عَالَ فِي الْحُكْمِ إِذَا قَسَطَ وَظَلَمَ وَجَارَ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:
بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يَخِيسُ شُعَيْرَةً * لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عائل
عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾ قَالَ: «لَا تجوروا»، روي مرفوعاً والصحيح عن عائشة أنه موقوف، وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد أنهم قالوا: لا تميلوا.
وقوله تعالى: ﴿وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ قال ابن عباس: النحلة: المهر عن عائشة نحلة: فريضة، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: النِّحْلَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الواجب، يقول: لا تنكحها إلا بشي واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعيد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ امرأة إلا بصداق واجب، وَمَضْمُونُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الصَّدَاقِ إِلَى الْمَرْأَةِ حَتْمًا، وَأَنْ يَكُونَ طَيِّبَ النَّفْسِ بِذَلِكَ، كَمَا يَمْنَحُ الْمَنِيحَةَ وَيُعْطِي النِّحْلَةَ طيباً، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ صَدَاقَهَا طَيِّبًا بِذَلِكَ، فَإِنْ طَابَتْ هِيَ لَهُ بِهِ بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ أَوْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ فَلْيَأْكُلْهُ حَلَالًا طيباً، ولهذا قال: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾ وقال هشيم: كان الرجل إذا زوج بنته أَخَذَ صَدَاقَهَا دُونَهَا فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَ: ﴿وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم وابن جرير).

صفحة رقم 357
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية