آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

شروع في بيان نواحي التقوى وجهتها، وأولها المحافظة على مال الضعاف من اليتامى والنساء والسفهاء، حيث ذكرنا الله بالرحم والقربى.
المعنى:
يا أيها الأوصياء في مال اليتامى: أنفقوا عليه من ماله، واجعلوا ماله خاصا به لا تأكلوا منه شيئا حتى تسلموه إليه بعد البلوغ كاملا غير منقوص، ولا تتمتعوا بمال اليتيم في موضع يجب أن تتمتعوا فيه بمالكم فإنكم إن أخذتم من ماله وتركتم مالكم تكونوا قد استبدلتم الخبيث بدل الطيب، والحرام بدل الحلال، وهذا منهى عنه شرعا.
روى أنهم كانوا يضعون الشاة الهزيلة ويأخذون بدلها شاة سمينة، فجاء النهى عن ذلك، ولا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.
ومن كان غنيا فليكن عفيفا عن مال اليتيم، إن أكل مال اليتيم بغير حق ذنب كبير وإثم عظيم، فأقلعوا عنه أيها الناس، واتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة.
تعدد الزوجات والعدل معهن [سورة النساء (٤) : الآيات ٣ الى ٤]
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
المفردات:
تُقْسِطُوا: من أقسط بمعنى عدل ولم يظلم، بخلاف قسط بمعنى ظلم وجار.
ما طابَ لَكُمْ: ما مال إليه القلب وعده طيبا من النساء. مَثْنى وَثُلاثَ

صفحة رقم 334

وَرُباعَ
: هذه ألفاظ معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. تَعُولُوا العول: الجور. صَدُقاتِهِنَّ: مهورهن. نِحْلَةً عطية وهبة. هَنِيئاً مَرِيئاً: طعام هنيء إذا كان سائغا لا تنغيص فيه ولا ألم، وقيل: الهنيء: ما يستلذه الآكل، والمريء: ما تحسن عاقبته وهضمه وتغذيته.
سبب النزول:
في الصحيحين عن عروة بن الزبير أنه سأل خالته عائشة أم المؤمنين- رضى الله عنها- عن هذه الآية فقالت: يا ابن أختى هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها، فلا يعطيها مثل ما يعطى أترابها من الصداق، فنهوا عن ذلك وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
وفي رواية أنها نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل فتشاركه في ماله فيرغب عنها ويكره أن يتزوجها غيره فيشاركه في مالها فيعضلها، فلا يتزوجها ولا يزوجها غيره.
وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: أنزلت في الرجل تكون له اليتيمة وهو وليها ووارثها ولها مال وليس لها أحد يخاصم دونها فلا ينكحها لمالها، فيضربها ويسيء صحبتها، فنزلت الآية على معنى: خذ ما طابت بها نفسك ودع هذه لا تضر بها.
وقد كانوا في الجاهلية يتزوجون أكثر من أربعة، بل قد يجمع الرجل ما شاء فيضطر إلى أخذ مال اليتيم، فنهوا عن ذلك كله.
المعنى:
بعد أن نهاهم الله عن أكل مال اليتامى والجور فيه، ووقع هذا النهى هذا الموقع فتحرجوا من الإثم، قال ما معناه:
وإن خفتم عدم العدل في أموال اليتامى وتحرجتم من أكلها بالباطل، وأحسستم الخوف من أكل مال الزوجة اليتيمة وهضم حقوقها في الصداق، فعليكم ألا تتزوجوا

صفحة رقم 335

بها وألا تمنعوها من الزواج، فإن الله جعل لكم مندوحة، وشرع لكم الزواج بمن تحبون من النساء الرشيدات من واحدة إلى أربع.
وإذا قلت لجماعة: اقتسموا هذا المال بينكم مثنى وثلاث ورباع كان المطلوب أن يأخذ كل واحد منهم ما شاء من اثنين أو ثلاثة أو أربعة لا يجمع بين الأعداد كلها فيأخذ الواحد تسعة مثلا، هذا استعمال العرب وعادتهم، والقرآن عربي مبين.
ولكن إذا خفتم ألا تعدلوا مع اثنتين أو ثلاث أو أربع، فتزوجوا واحدة فقط ومعها ما شئتم من الموالي، فإنه لا يخشى معهن الجور وعدم العدل، والخوف من عدم العدل يشمل تحقيق الظلم أو ظنه بل الشك فيه، أما التوهم فالرأى التسامح فيه.
فالمعنى:
للرجل المسلم أن يتزوج من واحدة إلى أربع ما دام يثق في أنه يعدل ولا يجوز، وإن خاف عدم العدل فلا يتزوج إلا واحدة ومعها ما شاء من الجواري- وهن الإماء الأرقاء المملوكات ملكا شرعيا- والعدل المطلوب بين النساء يكون في القسم بينهن في المبيت والتسوية في المأكل والمشرب والمسكن والأمور المادية، أما الأمور القلبية كالميل والحب فهذا ما ليس في وسعه، ولذا
كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك»
وقد كان يحب عائشة أكثر من غيرها ومع هذا ما كان يخصها بشيء إلا بعد أن يستأذن أخواتها.
تعدد الزوجات
طبيعة الحياة الزوجية تقتضي- بالفطرة- أن يختص الزوج بالزوجة والزوجة بالزوج، فكما أن الزوج يغار جدا على زوجته كذلك الزوجة.
ونحن نرى أن البيت الذي فيه ضرّتان فيه خلاف ونزاع وشقاق قد يؤدى إلى الموت والهلاك والعداوات المستحكمة.
لهذا يرى البعض أن في إباحة الإسلام التعدد في الزوجات شيئا يتنافى مع الطبيعة ويتنافى مع العقل فمن الخير المنع، فإن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة!!

صفحة رقم 336

ولكن الإسلام حينما أباح التعدد أباحه للضرورة وقيده بقيود تكاد تكون بعيدة المنال، فالقرآن يقول: لا تظلموا اليتيمة في مالها ونفسها، وأمامكم النساء غيرها كثيرات. تزوجوا باثنين أو بثلاث أو بأربع ولكن هذا مقيد بقيد العدل وعدم الظلم، لا فرق بين قديمة وحديثة وجميلة وقبيحة!! والقرآن قال في موضع آخر: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ «١» والعدل المقصود منه هنا: الميل القلبي، فإن تحقق العدل الكامل بعيد جدا، والميل واقع حتما، فلم يبح التعدد بلا قيد ولا شرط، بل بشرط بعيد الحصول والتعدد أو الطلاق كحق للزوج لا غبار عليهما أبدا، بل لعلهما بعض الضرورات اللازمة للطبيعة البشرية، ولكن الخطأ الأكبر يجيء من سوء الاستعمال، أما القول بمنعهما ففيه مخالفة لصريح القرآن ومخالفة لمصلحة الرجل والمرأة على السواء.
ماذا نفعل في رجل تزوج بامرأة لا تلد، وهو غنى يريد الولد وعنده القدرة على كفاية اثنتين من النساء؟
ورجل عنده نهم على النساء، ومن تحته امرأة عزوف عن الرجال أو بها مانع أو مرض فهل يزنى؟ فيضيع الدين والمال والصحة والشرف!! أم يتزوج بامرأة بشرط عدم الظلم في معاملة الاثنتين.
وماذا نعمل في الأمة عقب الحروب التي تبيد أكثر رجالها فتبقى النساء كثيرات مع قلة الرجال، أمن الخير أن يتمتع بعض النساء وتبقى الأغلبية محرومة من عطف الرجل والعائل؟ وقد تضطرها الظروف إلى ارتكاب الإثم والفحش!! إذا الخير في علاج المسألة بعلاج الدين، فنحافظ على المرأة محافظة تامة ونعنى بها عناية كاملة في الحرب والسلم.
ولا يضر الدين إساءة المسلمين له في تنفيذ بعض رخصه، فإنا نراهم لا يعدلون بين الأزواج ويتزوجون لمجرد الشهوة والانتقام لا لغرض شريف، ويكفى الإسلام فخرا أن قال بالطلاق ونادى بتعدد الزوجات كثير من فلاسفة الغرب.
فالواجب على أولى الأمر أن يعالجوا الداء بما يحسمه مع تنفيذ روح الدين.

(١) سورة النساء آية ١٢٩.

صفحة رقم 337
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية