
(ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ):
الذرية هم الفروع من الأولاد وأولادهم مهما نزلوا، وأصلها من مادة " ذرأ "، وقيل من " الذرو "، وقيل من " الذر "، وكل هذه الألفاظ تنتهي إلى التكوين والتفريع فرعا من بعد فرع؛ ومعنى النص الكريم أن أولئك المصطفين الأخيار بعضهم ذرية من بعض، فهم متصلو النسب بسلسلة لَا تنقطع، فنوح من ذرية آدم، وآلُ إبراهيم من ذرية نوح، وآل عمران من ذرية آل إبراهيم، وهكذا، فهي سلسلة متصل بعضها ببعض في النسب والهداية. ويترتب على أن بعضهم من بعض أن تتشابه صفاتهم في الخير والفضيلة ما داموا جميعا مصطفين، وما داموا جميعا من سلسلة ونسبة واحدة. وقد قال بعضهم إن معنى (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ

بَعضٍ) أنهم متشابهون، كقوله تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ...)، فهم يشبه بعضهم بعضا، وهم ذرية واحدة لآدم. والحق أن ذلك المعنى يجيء بالالتزام من المعنى الأول فليس مغايرا له من كل الوجوه.
ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إشارة إلى كمال إحاطته، وإلى أنه إذ اصطفى هؤلاء اصطفاهم على علم كعلم من يسمع، أي أنه علم دقيق لَا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، وإن ذلك النص الكريم فيه تمهيد لما سيتلى من بعد، وهو قول امرأة عمران، فقد قال تعالى حاكيا عنها:
* * *