آيات من القرآن الكريم

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

قيل لابن عرفة: ليس الصوم فيه؟ فقال: الحج بنفس أن يحرم فيه ينسحب عليه حكمه (فالثلاثة) الأَيَّامُ هي في الحج حكما.
قوله تعالى: ﴿ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام... ﴾.
قال ابن عرفة: يؤخذ فيمن له أهل بمكة وأهل بغيرها.
فقد قال الإمام مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إنها من مشبَّهات الأمور يؤخذ منه أن حكمه حكم الحاضر بدليل قول (مالك) في المسافر: إذا سافر ومر ببلد له فيها أهل فإنه يتمّ الصلاة كالمقيم.
قوله تعالى: ﴿واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾.
دليل على أنّ الطلب المتقدم قبل هذا كله للوجوب.
قوله تعالى: ﴿الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ... ﴾.
ابن عطية: أي وقت الحج أشهر.
ابن عرفة: أو الحج ذو أشهر كقولهم: زيد عدل أي ذو عدل.
ابن عرفة: وعادتهم يوردون في هذا تشكيكا وهو أن هذه القضية، إمّا صادقة أو كاذبة وكلاهما باطل، أمّا بطلان الثاني فظاهر
وأمّا الأول فلأنّها إذا كانت معلومة كان الإخبار بها غير مفيد إذ هو تحصيل الحاصل كقولك هذا (الشهر) معلوم.
والجواب أن المعلوم قسمان: باق على أصله ومعلوميته لم يقع فيه (تغيير) بوجه، ومعلوم غير عن وضعه وهذا منه، كما قالوه في النسيء: فإنهم كانوا (يؤخرون) المحرم لصفر ويجعلونه كذلك عاما بعد عام حتى كانت حجّة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه في ذي القعدة سنة تسع، وحجّة سيّدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعني حجة الوداع في ذي الحجة ولذلك قال في خطبته: «إن الزّمان قد استدار كهئته يوم خلق الله السماوات والارض» فاقتضت الآية أنّ (الحجّ) هو الأشهر المعلومات (الأصلية) التي ليس فيها ذلك (التغيير).
(والجواب الثاني) بأن فائدة ذلك التنبيه على هذه الأشهر المعلومة بالحج كما هو في شرع من قبلنا هي في شرعنا.
ورده ابن عرفة بأنّ اللّفظ لا يقتضى ذلك.
قال ابن عرفة: فإن قلت: ما فائدة (العدول) عن الحقيقة إلى المجاز في الإخبار بظرف الزمان عن المصدر مثل: زيد عدل؟
فأجاب عن ذلك بأن عادتهم يقولون: (فائدته) التنبيه

صفحة رقم 237

على مفارقة الصلاة / فإن الصلاة الفائتة تقضى في غير وقتها، والحج لا يقضى إلا في هذه الأشهر فجعلت كأنها هي نفس الحج لملازمته لها.
قال ابن عطية: وأشهر الحج، شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، حكاه الشيخ ابن حبيب عن الإمام مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وترك قولين آخرين في المذهب: أحدهما: أنّه شوال وذو القعدة وذو الحجة، والثاني أنه شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة وأيام الرمي.
قوله تعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج... ﴾.
نقل الفخر في المحصول عن أبي الدّبوسي من (الحنفية): أن الفرض ما نشأ عن دليل قطعي لأنه مأخوذ من الفرض في (الخشبة)، والواجب ما نشأ عن دليل (ظني) لأن الوجوب في اللغة السقوط. قال الله تعالى ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر﴾ ولذلك يقولون: هذا واجب وجوب السنن ولا يقولون: هذا فريضة فرض السنن.
قال ابن عرفة: فإن قلت لم أعيد لفظ الحجّ مظهرا، وهلا قيل: فمن فرضه فيهن؟
فأجاب عن ذلك بأنه لو قيل كذلك لكان فيه عود الضمير على اللفظ لا على المعنى مثل: عندي درهم ونصفه لأن الحج الأول مطلق يصدق بصورة فيتناول حج زيد وعمرو بالتعيين الواقع منهما وحجمها القابل لأن يفعلاه.
وقول الله جل جلاله: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج﴾ مقيد بحج كل واحدٍ واحدٍ بعينه، والشخص المعين (حجه مقيد لا) مطلق، فلذلك أعيد لفظ الحج مظهرا فيتناول الفرض والتطوع.
قيل لابن عرفة: ما الفرق بين (جواز تقديم) إحرام الحجّ على أشهر الحج ومنع تقديم إحرام الصلاة على وقتها؟
فقال: الإحرام قسمان منقطع ومستصحب، فالمنقطع كتكبيرة الإحرام والمستصحب النية، فالنية يصح تقديمها على الوقت لأنها لايزال حكمها منسحبا على المصلي في جميع أجزاء صلاته ولا يصح تقديم تكبيرة الإحرام لانقطاعها بالفراغ منها، ونظيره هنا السعي، لا يجوز تقديمه على أشهر الحج. وأما نية الإحرام والتوجه فهو مستصحب فيصح تقديمه على أشهر الحج. وفرقوا بين إحرام الصلاة وإحرام الحج بأنّ إحرام الصلاة متيسر (لا مشقة) فيه فامتنع تقديمه وأمر المقدم له بإعادته واعتقاد وجوبه بخلاف إحرام الحج.

صفحة رقم 238
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
جلال الأسيوطي
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة
الأولى، 2008 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية