فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً يَعْنِي: مَنِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ. قَالَ: يَعْنِي بِالْمَرَضِ: أَنْ يَكُونَ بِرَأْسِهِ أَذًى أَوْ قُرُوحٌ أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ قَالَ: الْأَذَى: هُوَ الْقَمْلُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النُّسُكُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ: شَاةٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ يَقُولُ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حاتم أن ابن الزُّبَيْرَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْمُتْعَةُ لِمَنْ أُحْصِرَ، وَلَيْسَتْ لِمَنْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ لِمَنْ أُحْصِرَ وَمَنْ خُلِّي سَبِيلُهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ قَالَ: فَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ: قَبْلَ التَّرْوِيَةِ يَوْمٌ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، فَإِنْ فَاتَتْهُ صَامَهُنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ إِلَّا ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا فَاتَهُ صَامَ أَيَّامَ مِنًى فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَجِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الصِّيَامُ لِلْمُتَمَتِّعِ مَا بَيْنَ إِحْرَامِهِ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ هَدْيًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ الثَّالِثَ فَقَدْ تَمَّ صَوْمُهُ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَامَ تِلْكَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ فَلْيَصُمْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ». وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ فِي رَهْطٍ أَنْ يَطُوفُوا فِي مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَيُنَادُوا: «إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَلَا نَصُومُ فِيهِنَّ إِلَّا صَوْمًا فِي هَدْيٍ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قَالَ: سِتُّ قَرْيَاتٍ: عَرَفَةُ، وَعُرَنَةُ، وَالرَّجِيعُ، وَالنَّخْلَتَانِ، وَمَرُّ الظَّهْرَانِ، وَضَجْنَانُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عمر مثله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٧ الى ١٩٨]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)
قَوْلُهُ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ فِيهِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ، أَيْ: وَقْتُ عَمَلِ الْحَجِّ وَقِيلَ
التَّقْدِيرُ: الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ النَّصْبُ مَعَ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ لَا الرَّفْعُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَشْهَرُ رَفْعٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ. وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَطَاءٌ، وَالرَّبِيعُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالزُّهْرِيُّ: هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ أيضا عن مالك. ويظهر فائدة الخلاف في ما وَقَعَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ مِنَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ، وَمَنْ قَالَ: ليس إلا العشر منه قال: يلزمه دَمُ التَّأْخِيرِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالُوا: فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَهَا أَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ، كَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ جَوَازُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي فَائِدَةِ تَوْقِيتِ الْحَجِّ بِالْأَشْهُرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ النَّصَّ عَلَيْهَا لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا. وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْإِحْرَامِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاحْتَجَّ لهم بقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ «١» فَجَعَلَ الْأَهِلَّةَ كُلَّهَا مَوَاقِيتَ لِلْحَجِّ، وَلَمْ يَخُصَّ الثلاثة أشهر، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَتِلْكَ خَاصَّةٌ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجُّوا بِهِ الْقِيَاسُ لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَكَمَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ لِلْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْحَجِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُصَادِمٌ لِلنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ إِنْ كَانَتِ الْأَشْهُرُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مُخْتَصَّةً بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَشْهُرُ جَمْعُ شَهْرٍ، وَهُوَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ يَتَرَدَّدُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ فَيَجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَعْلُوماتٌ أَنَّ الْحَجَّ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ مِنْ شُهُورِهَا، لَيْسَ كَالْعُمْرَةِ، أَوِ الْمُرَادُ: مَعْلُومَاتٌ بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَوْ مَعْلُومَاتٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، لَا يَجُوزُ التقدّم عليها ولا التأخر عنها.
قوله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ أَصْلُ الْفَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْحَزُّ وَالْقَطْعُ، وَمِنْهُ فُرْضَةُ الْقَوْسِ وَالنَّهْرِ والجبل، ففريضة الْحَجِّ لَازِمَةٌ لِلْعَبْدِ الْحُرِّ كَلُزُومِ الْحَزِّ لِلْقَوْسِ وَقِيلَ مَعْنَى فَرَضَ: أَبَانَ، وَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ مَنْ قَطَعَ شَيْئًا فَقَدْ أَبَانَهُ عَنْ غَيْرِهِ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: فَمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ فِيهِنَّ الْحَجَّ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِالنِّيَّةِ قَصْدًا بَاطِنًا، وَبِالْإِحْرَامِ فِعْلًا ظَاهِرًا، وَبِالتَّلْبِيَةِ نُطْقًا مَسْمُوعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ إِلْزَامَهُ نَفْسَهُ يَكُونُ بِالتَّلْبِيَةِ، أَوْ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَسَوْقِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَكْفِي النِّيَّةُ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. وَالرَّفَثُ قال ابن عباس، وابن جبير، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَالِكٌ: هُوَ الْجِمَاعُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَغَيْرُهُمُ: الرَّفَثُ: الْإِفْحَاشُ بِالْكَلَامِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الرّفث: اللغا من الكلام، وأنشد:
وَرُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ | عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ |
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ «٣» أَيْ: لَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ فِي أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ مَعَ سَفَرِكُمْ لِتَأْدِيَةِ مَا افْتَرَضَهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: فَإِذا أَفَضْتُمْ أَيْ: دَفَعْتُمْ، يُقَالُ: فَاضَ الْإِنَاءُ: إِذَا امْتَلَأَ مَاءً حَتَّى يَنْصَبَّ مِنْ نَوَاحِيهِ وَرَجُلٌ فَيَّاضٌ: أَيْ: مُتَدَفِّقَةٌ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَفَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَفْعُولِ، كَمَا تُرِكَ فِي قَوْلِهِمْ دَفَعُوا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا. وعَرَفاتٍ: اسْمٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَيْ: مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، وَقَرَأَهُ الْجَمَاعَةُ بِالتَّنْوِينِ، وَلَيْسَ التَّنْوِينُ هُنَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْصَرِفُ وَمَا لَا يَنْصَرِفُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّونِ فِي مُسْلِمِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا الْجَيِّدُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنِ الْعَرَبِ حَذْفَ التَّنْوِينِ مِنْ عَرَفَاتٍ، قَالَ:
لَمَّا جَعَلُوهَا مَعْرِفَةً حَذَفُوا التَّنْوِينَ. وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ فَتْحَ التَّاءِ تَشْبِيهًا بِتَاءِ فَاطِمَةَ، وَأَنْشَدُوا:
تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتَ وَأَهْلُهَا | بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عال |
(٢). الأنعام: ١٤٥.
(٣). الجمعة: ١٠.
وَإِنَّمَا هِيَ مَعَ الْأَلِفِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَامَةُ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ التَّاءِ فِيهَا لِأَنَّ هَذِهِ التَّاءَ لِاخْتِصَاصِهَا بِجُمَعِ الْمُؤَنَّثِ مَانِعَةٌ مِنْ تَقْدِيرِهَا، كَمَا لَا تُقَدَّرُ تَاءُ التَّأْنِيثِ فِي بِنْتٍ لِأَنَّ التَّاءَ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُؤَنَّثِ كَتَاءِ التَّأْنِيثِ فَأَبَتْ تَقْدِيرَهَا. انْتَهَى. وَسُمِّيتْ: عَرَفَاتٍ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَقِيلَ: إِنَّ آدَمَ الْتَقَى هُوَ وَحَوَّاءُ فِيهَا فَتَعَارَفَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمٌ مُرْتَجَلٌ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْبِقَاعِ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ دُعَاؤُهُ، وَمِنْهُ التَّلْبِيَةُ وَالتَّكْبِيرُ وَسُمِّي الْمَشْعَرُ مَشْعَرًا مِنَ الشِّعَارِ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ، وَالدُّعَاءُ عِنْدَهُ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ، وَوُصِفَ بِالْحَرَامِ لِحُرْمَتِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمْعًا. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاجُّ بَيْنَهُمَا فِيهَا. وَالْمَشْعَرُ: هُوَ جَبَلُ قُزَحَ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ. قَوْلُهُ: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ الْكَافُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَمَا: مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ كَافَّةٌ، أَيِ: اذْكُرُوهُ ذِكْرًا حَسَنًا، كَمَا هَدَاكُمْ هِدَايَةً حَسَنَةً، وَكَرَّرَ الْأَمْرَ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا- وَقِيلَ: الْأَوَّلُ: أَمْرٌ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالثَّانِي: أَمْرٌ بِالذِّكْرِ عَلَى حُكْمِ الْإِخْلَاصِ- وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي: تَعْدِيدُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ، وَ «إِنْ» فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ مُخَفَّفَةٌ، كَمَا يُفِيدُهُ دُخُولُ اللَّامِ فِي الْخَبَرِ- وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى قَدْ، أَيْ: قَدْ كُنْتُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِهِ عَائِدٌ إِلَى الْهُدَى وَقِيلَ: إِلَى الْقُرْآنِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حاتم عن ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طُرُقِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قَالَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَأَخْرَجُوا إِلَّا الْحَاكِمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ المنذر، والدارقطني، والطبراني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ قَالَ: مَنْ أَهَلَّ فِيهِنَّ بِحَجٍّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْفَرْضُ:
الْإِحْرَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: الْإِهْلَالُ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ: فَرْضُ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْفَرْضُ: الْإِهْلَالُ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ».
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قَوْلِهِ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَالَ: الرَّفَثُ: التَّعْرِيضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي كُلُّهَا، وَالْجِدَالُ: جِدَالُ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ». وأخرج ابن مردويه، والأصبهاني في الترغيب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا رَفَثَ: لَا جِمَاعَ، وَلَا فُسُوقَ: الْمَعَاصِي وَالْكَذِبُ». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وعبد ابن حُمَيْدٍ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ:
الرَّفَثُ الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الرَّفَثُ: غِشْيَانُ النِّسَاءِ، وَالْفُسُوقُ: السِّبَابُ، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَرُوِيَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، ثُمَّ يَقْدَمُونَ فَيَسْأَلُونَ النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَ نَاسٌ يَخْرُجُونَ مِنْ أَهْلِيهِمْ لَيْسَتْ مَعَهُمْ أَزْوِدَةٌ، يَقُولُونَ: نَحُجُّ بَيْتَ اللَّهِ وَلَا يُطْعِمُنَا؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوَادُهُمْ رَمَوْا بِهَا وَاسْتَأْنَفُوا زَادًا آخَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَزَوَّدُوا الْكَعْكَ وَالدَّقِيقَ وَالسَّوِيقَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَوَكَّلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الزَّادِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَتَزَوَّدُوا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا يَتَّقُونَ الْبُيُوعَ وَالتِّجَارَةَ فِي الْمَوْسِمِ وَالْحَجِّ، وَيَقُولُونَ أَيَّامُ ذِكْرِ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الْآيَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ ابن مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا أُنَاسٌ نُكْرِي فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وتحلقون رؤوسكم؟ قُلْتُ بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فدعاه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الآية وقال: أنتم حُجَّاجٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ