آيات من القرآن الكريم

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

زيادة توصية بصيامها وأن لا يتهاون بها ولا ينقص من عددها، كما تقول للرجل إذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزل: اللَّه اللَّه لا تقصر. وقيل: كاملة في وقوعها بدلا من الهدى.
وفي قراءة أبىّ: فصيام ثلاثة أيام متتابعات ذلِكَ إشارة إلى التمتع، عند أبى حنيفة وأصحابه.
لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم، ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه وأما القارن والمتمتع من أهل الآفاق فدمهما دم نسك يأكلان منه. وعند الشافعي: إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدى أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئا «١». وحاضرو المسجد الحرام: أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة عند أبى حنيفة. وعند الشافعي: أهل الحرم ومن كان من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وَاتَّقُوا اللَّهَ في المحافظة على حدوده وما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن خالف ليكون علمكم بشدّة عقابه لطفاً لكم في التقوى.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٧]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
أى وقت الحج أَشْهُرٌ كقولك: البرد شهران. والأشهر المعلومات: شوال وذو القعدة وعشر ذى الحجة «٢» عند أبى حنيفة. وعند الشافعي: تسع ذى الحجة وليلة يوم النحر. وعند مالك: ذى الحجة كله. فإن قلت: ما فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر؟ قلت: فائدته أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها، والإحرام بالحج لا ينعقد أيضا عند الشافعي في غيرها. وعند أبى حنيفة ينعقد إلا أنه مكروه. فإن قلت: فكيف كان الشهران وبعض الثالث أشهر؟ قلت: اسم الجمع

(١). قوله «ولم يوجب عليهم شيئاً» أى على حاضري المسجد الحرام. (ع)
(٢). قال محمود رحمه اللَّه: «هي شوال وذو القعدة... الخ». قال أحمد: الذي نقله عن مالك أحد قوليه وليس بالشهور عنه. وأما استدلاله لهذا القول بكراهية عمر الاعتمار إلى أن يهل المحرم فلا ينهض دليلا لمالك، لأنه يقول: لا تنعقد العمرة في أيام منى خاصة لمن حج، ما لم يتم الرمي ويحل بالافاضة فتنعقد. وجميع السنة ما عدا ما ذكر ميقات للعمرة، ولا تطهر فائدة هذا القول عند مالك إلا في إسقاط الدم عن مؤخر طواف الافاضة إلى آخر ذى الحجة لا غير، وهي الفائدة التي نقلها الزمخشري عن عروة، ولعمري إن هذا القول حسن دليلا، فلا يحتاج إلى مزيد. ولكن ظاهر الآية ومقتضاها: أن جملة الأشهر هي زمان الحج. ألا ترى أن من قال: وعشر من ذى الحجة يحتاج في تنزيل الآية على مذهبه إلى تقرير أن بعض الشهر يتنزل منزلة جميعه، ويستشهد على ذلك بقوله:
ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال
وإنما أحوجه إلى الاستشهاد، خروج مقالته عن ظاهر الآية فالمتمسك بها على ظاهرها في كمال الأشهر الثلاثة واقف مع اقتضائها غير مضطر إلى مزيد عليه.

صفحة رقم 242

يشترك فيه ما وراء الواحد. بدليل قوله تعالى: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) فلا سؤال فيه إذن، وإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل: ثلاثة أشهر معلومات. وقيل: نزّل بعض الشهر منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا، أو على عهد فلان، ولعل العهد عشرون سنة أو أكثر، وإنما رآه في ساعة منها. فإن قلت: ما وجه مذهب مالك وهو مروىّ عن عروة بن الزبير؟ قلت: قالوا إنّ العمرة غير مستحبة فيها عند عمر وابن عمر فكأنها مخلصة للحج لا مجال فيها للعمرة. وعن عمر رضى اللَّه عنه: أنه كان يخفق الناس بالدّرة وينهاهم عن الاعتمار فيهنّ. وعن عمر «١» رضى اللَّه عنه قال لرجل: إن أطعتنى انتظرت حتى إذا أهللت المحرم «٢» خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة. وقالوا: لعل من مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر مَعْلُوماتٌ معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم. وفيه أنّ الشرع لم يأت على خلاف ما عرفوه. وإنما جاء مقرّرا له فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فمن ألزمه نفسه بالتلبية أو بتقليد الهدى وسوقه عند أبى حنيفة وعند الشافعي بالنية فَلا رَفَثَ فلإجماع لأنه يفسده. أو فلا فحش من الكلام وَلا فُسُوقَ ولا خروج عن حدود الشريعة وقيل. هو السباب والتنابز بالألقاب وَلا جِدالَ ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين «٣» : وإنما أمر باجتناب ذلك. وهو واجب الاجتناب في كل حال «٤» لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة والتطريب في قراءة القرآن. والمراد بالنفي وجوب انتفائها، وأنها حقيقة بأن لا تكون. وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب وبالرفع. وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأوّلين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأوّلين على معنى النهى، كأنه قيل:
فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك

(١). قوله «وعن عمر» لعله ابن عمر. (ع) [.....]
(٢). قوله «حتى إذا أهللت المحرم» في الصحاح: أهل الهلال واستهل، على ما لم يسم فاعله. (ع)
(٣). قوله «والمكارين» في الصحاح: الكراء ممدود، لأنه مصدر كاريت. والدليل على ذلك أنك تقول: رجل مكار. ومفاعل: إنما هو من فاعلت اه فالمكارين في عبارة المفسر. جمع للمكارى، على زنة المفاعلين جمعا للمفاعل. (ع)
(٤). قال محمود رحمه اللَّه: «إنما أمر باجتناب ذلك في الحج واجتنابه واجب... الخ». قال أحمد رحمه اللَّه:
وفيه نكتة تتعلق بعلم البيان، وهي أن تخصيص الحج بالنهي عن الرفث فيه والفسوق والجدال يشعر بأنها في غبر الحج وإن كانت منهيا عنها وقبيحة، إلا أن ذلك القبح الثابت لها في غير الحج كلا قبح بالنسبة إلى وقوعها في الحج فاشتمل هذا التخصيص على هذا النوع من المبالغة البليغة واللَّه أعلم. على أن الرفث إن كان التحدث في أمر الجماع خاصة، فالنهي عنه خاص بالحج وهو جائز في غيره على الوجه الشرعي. وقد نبه مالك رضى اللَّه عنه على أنه لا بأس للحاج بالسعي في أمور النساء، إلا أن ذلك قد يوقع في الوهم أنه يؤدى إلى ترك المحظور، وهذا يدل على تشديد مالك في حظر الرفث للحاج وما يتعلق به واللَّه أعلم. وسمعت الشافعية يلهجون بالاعتراض على إسحاق في قوله من التنبيه: وتحريم الغيبة على الصائم. فيقولون: وعلى المفطر، فلا فائدة في تخصيص الصائم، ويعدون ذلك وهما منه وهم بمعزل عن هذه الآية وأمثالها، فقد أوسعته عذراً في عبارته تلك إذ الكتاب العزيز به تمتحن الفصاحة وصحة العبارات.

صفحة رقم 243
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية