آيات من القرآن الكريم

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

وقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ قال ابن عباس: يريد فيما افترضه عليكم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن تهاون بحدوده (١).
١٩٧ - قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ تقدير الآية عند النحويين على وجهين:
أحدهما: أن التقدير: أشهُر الحج أشهر معلومات، ليكون (٢) الثاني الأول في المعنى، فحذف المضاف (٣).
والثاني: أنّ التقدير: الحجُّ حجُّ أشهر مَعْلومات، أي: لا حج إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها، كما كان يفعله أهل الجاهلية، يستجيزونها في غيرها من الأشهر، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر. ويمكن تصحيحُ الآيةِ من غير إضمار، وهو أنه جعل الأشهر الحج لمَّا كان الحج فيها، كقولهم: ليل نائم، لما (٤) كان النوم فيه جعل نائمًا، كذلك ها هنا، اتسع في الأشهر وأخرجت عن الظرف، كقوله تعالى: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩]، ألا تَرَى أن الحجَّ في الأشهر، كما أن الموعدَ في اليوم، إلا أنه اتسع فيه، فجعل الأول لما كان فيه، كذلك جعل الحج الأشهر على الاتساع، لكونه فيها وكثرته من الفاعلين له (٥)، كما جَعَلتِ الخَنْساءُ الوحشيةَ إقبالًا وإدبارًا لكثرتهما منها في قولها:

(١) المصدر السابق.
(٢) في (ش) (أي ليكون).
(٣) قال مكي في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٣: ولولا هذا الإضمار لكان القياس نصب (أشهر) على الظرف، كما تقول: القتال اليوم، والخروج الساعةَ.
(٤) في (ش) ولما.
(٥) ليست في (أ) ولا (م).

صفحة رقم 28

تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا ادَّكَرَتْ فإنَّما هي (١) إقْبَالٌ وإدْبَارُ (٢)
وكما قال مُتَمِّم (٣):
لَعَمْري وما دَهْرِي بَتَأبِيْنِ هَالكٍ ولا جَزعٍ مما أَصَاب فَأَوجَعَا (٤)
ألا ترى أنه قد جعل دَهره الجزع في قوله: ولا جزعٍ، أي: وما دهري بجزع. والأشهرُ بمنزلة الدهر (٥).
والمراد بالأشهر، هاهنا، عند جميع المفسرين: شَوَّالٌ وذو القَعْدة وتسع من ذي الحِجَّة، ويقال: عشر من ذي الحجة، فمن قال: وتِسْع، أراد الأيام؛ لأن يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة آخر هذه الأشهر (٦)، ومن قال: عَشْرٌ، عَبَّر به عن الليالي؛ لأن من أدركَ عرفةَ في الليل العاشر
(١) في (ش) (اذكرت فانماهن).
(٢) البيت تقدم تخريجه مع تفسير [البقرة: ٤٩].
(٣) هو: متمم بن نويرة بن جمرة بن ثعلبة بن يربوع، أبو نهشل، صحابي شاعر فحل، اشتهر في الجاهلية والإسلام، أشهر شعره رثاء أخيه مالك، توفي سنة ٣٥ هـ انظر: "أسد الغابة" ٥/ ٥٢، ٥٨، "الشعر والشعراء" ص ٢٠٩.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٠٦، "لسان العرب" ١/ ١٣ (أبن)، ٣/ ١٤٤٠ (دهر).
(٥) ينظر: في إعراب الآية: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٣، "التبيان" ص ١٢٣، "البحر المحيط" ٢/ ٨٤، "الدر المصون" ٢/ ٣٢٢، وقال أبو حيان والحج أشهر: مبتدأ وخبر، ولابد من حذف؛ إذ الأشهر ليست الحج، وذلك الحذف إما في المبتدأ، فالتقدير: أشهر الحج، أو وقت الحج، أو في الخبر، أي: الحج حج أشهر، أو يكون الأصل: في أشهر، فاتسع فيه، وأخبر بالظرف عن الحج. ثم رد على ابن عطية قوله بالإلزام بالنصب في الحالة الثالثة.
(٦) ذكره الشافعي في "أحكام القرآن" ص١٢٧، "مختصر المزني" ٨/ ١٥٩، "المجموع" ٧/ ١٤٣.

صفحة رقم 29

من ذي الحجة فقد أدركَ الحج (١)، وقد ورد في الخبر اللفظان جميعًا في تفسير الأشهر (٢).
وإنما قال: أشهر، لشهرين وبعض الثالث؛ لأن الاثنين قد يوقع عليها (٣) لفظ الجمع، وذلك أن التثنية أولُ الجَمْع (٤)، الدليل عليه قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦]. وإنما يريد عائشةَ وصَفْوان، وكذلك قوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨]، يريد: داودَ وسليمانَ، وقال: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤].
وقال الشاعر:

(١) وهذا قول ابن عباس وابن الزبير وابن سيرين ومجاهد والحسن وعطاء والشعبي وطاوس والنخعي وقتادة ومكحول والسدي والضحاك وأبو حنيفة والشافعي، وابن حبيب عن مالك، وروي عن ابن مسعود وابن عمر، وهو اختيار الطبري. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٧ - ٢٦٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٥، "البحر المحيط" ٢/ ٨٥.
(٢) أما لفظ عشر من ذي الحجة، فقد ورد عن جماعة من الصحابة: عبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير -رضي الله عنه- وجماعة من التابعين. ينظر: "سنن سعيد بن منصور" ٣/ ٧٨٣ - ٧٩١، "المصنف" لابن أبي شيبة، (القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢١٨)، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٧، "سنن الدارقطني" ٢/ ٢٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٦. وأما لفظ تسع، فلم أعثر عليه في شيء من الأحاديث والآثار، لكن ذكرها المفسرون والفقهاء في معرض الخلاف في أشهر الحج، وذكرها الشافعي في "أحكام القرآن" له ص ١٢٧، وفي "المجموع" ٧/ ١٤٣، والمؤلف رحمه الله تابع الثعلبي على هذا. ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٦.
(٣) في (ش) (عليه).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٢، "المدخل لعلم تفسير كتاب الله" للحدادي ص ٢٨٠.

صفحة رقم 30

ظَهْرَاهُمَا (١) مِثلُ ظُهُورِ التُرسَيْن (٢) (٣)
وقال ابن الأنباري: العرب توقع الوقت الطويل على الوقت اليسير، فيقولون: قُتل ابن الزبير زمان الحجاج أمير، وإنما كان القتل في أقصر وقت، فجاز على هذا وقوع الأشهر على أقل منها، ويقولون: أتيتك يوم الخميس، وإنما أتاه (٤) في ساعة منه، فيسمي تلك الساعة يومًا (٥).
وقال عروة بن الزبير (٦): أراد بالأشهر شوالًا وذا القَعْدة وذا الحِجَّة كُمَّلًا (٧)؛ لأنه يبقى على الحاج أمور بعد عرفة يجب عليه فعلها، مثل:

(١) في (ش) (ظهورهما).
(٢) في (ش) (الريسين).
(٣) صدر البيت: ومهمهين قذفين مرتين
ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٤٨، وفيه قال الراجز هو خطام المجاشعي، "الخزانة" ٢/ ٣١٤، "البيان" ٢/ ٤٤٦. وينظر: "الوسيط" للواحدي ١/ ٣٠٠.
(٤) في (م) أتوه.
(٥) وينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٩، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٧، قال الفراء: وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائز في غير المواقيت؛ لأن العرب قد تفعل الفعل في أقل من الساعة ثم يوقعونه على اليوم.
(٦) هو: أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أخو عبد الله بن الزبير، وأمهما أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم- ثقة مشهور، من أفاضل التابعين وعبادهم، توفي سنة ٩٤ هـ انظر: "السير" ٤/ ٤٢١، "تقريب التهذيب" ص ٣٨٩ (٤٥٦١).
(٧) ذكره الثعلبي عنه ٢/ ٥١٨، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٢٥، والرازي في "تفسيره" ١/ ١٧٣، ولم يذكره أحد من أصحاب الكتب المسندة في التفسير، وروى سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩١ عن عروة بن الزبير قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (الحج أشهر معلومات) قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٩٣ إلى ابن المنذر، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد والزهري والربيع ومالك. ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٨٥.

صفحة رقم 31

الرمي، والحلق، والنحر، والبيتوتة بمنى (١).
وقوله تعالى: ﴿مَعْلُومَاتٌ﴾ أي: أشهر مُؤَقَّتَةٌ معينة، لا يجوز فيها ما كان يفعلُه أهلُ الجاهلية من التبديل بالتقديم والتأخير، الذي كان يفعله النَّسَأة الذين أنزل فيهم ﴿إِنَمَا النَّسِىَءُ﴾ الآية [التوبة: ٣٧].
قال ابن عباس في هذه الآية: جعلهن سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح لأحد (٢) أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج (٣).
وهذا مذهب الشافعي رحمه الله قال: من أراد أن يحرم بالحج لم يصح إحرامه بالحج إلا في أشهر الحج، فإن أحَرْم في غير أشهر الحج انعقد إحرامه عمرة؛ لأن الله تعالى خَصَّ هذه الأشهر بفرض الحج فيها، وجعلها وقتًا للحج (٤).
وعند أبي حنيفة: إذا أحرم بالحج في غير أشهر الحج كُرِه ذلك،

(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٨.
(٢) سقطت من (ش).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨ من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ورواه الشافعي في "الأم" ٢/ ١٦٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٥، والنحاس في "معاني القرآن" ١/ ١٣٠ من طريق عكرمة، ورواه البخاري معلقا ٢/ ١٨٣ معلقا مجزوما به، ووصله ابن خزيمة في "تفسيره" ٤/ ١٦٢، والحاكم في "تفسيره" ١/ ٦١٦، وصححه، من طريق مقسم، عن ابن عباس بنحوه مختصرًا.
(٤) ينظر: "الأم" ٢/ ١٦٨، "المجموع" ٧/ ١٤٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٣، وهذا القول على التقدير في الآية: الحج حج أشهر معلومات، وبه قال ابن عباس وجابر وعطاء ومجاهد وطاوس والأوزاعي وأبو ثور، وقال الأوزاعي: يحل بعمرة، وقال أحمد: هذا مكروه، وروي هذا القول عن مالك، والمشهور عنه القول الآخر.

صفحة رقم 32

ويجزيه (١).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾. قال المفسرون: أي: من أوجب على نفسه فيهن الحج بالإحرام والتلبية (٢). ومعنى فَرَضَ في اللغة. ألزم وأوجب، يقال: فَرَضْتُ عليك كذا، أي: أوجبته، وأصل معنى الفَرْض في اللغة: الحزّ والقطع.
قال ابن الأعرابي: الفرض: الحز (٣) في القِدْح وفي (٤) الزند وغيره (٥)، وفُرْضَة القَوس: الحَزّ الذي يقع فيه الوتر، وفرضة الزند: الحز الذي فيه. قال: ومنه فَرْضُ الصلاة وغيرها، إنما هو لازم للعبد كلزوم الحز للقدح، ففرض بمعنى: أوجب، قد ورد في القرآن فرضَ بمعنى أَبَان، وهو

(١) وبه قال النخعي والثوري، والمشهور من مذهب مالك، وهذا القول على أن التقدير في الآية: أشهر الحج أشهر معلومات. ينظر: "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٠٠، "شرح فتح القدير" ٣/ ١٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٩، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٣.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٣، وقد بين الطبري أن أهل التأويل اختلفوا في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج بعد إجماع جميعهم على أن معنى الفرض: الإيجاب والإلزام، فقال بعضهم: فرض الحج: الإهلال، وقد رواه عن ابن عمر وعطاء ومجاهد وطاوس والثوري والقاسم بن محمد، وبه قال أبو حنيفة، وابن حبيب من المالكية، وهو قول الظاهرية، وقال آخرون فرض الحج: إحرامه، وقد رواه عن ابن عباس والحسن وقتادة والنخعي والضحاك، وهذا قول الشافعي والحسن بن حي. ثم رجح القول الثاني، وبين سبب الترجيح.
(٣) في (م) كأنها (الجز).
(٤) في ليست في (م).
(٥) نقله عن ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" ٣/ ٧٧١ فرض.

صفحة رقم 33

قوله: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ [النور: ١]، بالتخفيف (١)، وقوله: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: ٢] وهذا أيضًا راجع إلى معنى القطع؛ لأن من قطع شيئًا أبانه عن غيره، والله تعالى إذا فرض شيئًا أبانه، وبان ذلك الشيء عن غيره. (فرض) بمعنى: أوجب، وفرض بمعنى: أبان، كلاهما يَرْجِع إلى أصل واحد على ما بينا (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ ذكرنا معنى الرفث عند قوله: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]، وأما معناه في هذه الآية، فذهب ابن عباس (٣)، والأكثرون إلى أن المراد به الجماع (٤).
قالت طائفة (٥): المراد بالرفث، هاهنا، التعريض (٦) للنساء بالجماع،

(١) قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧١ "فرض": (وفرضناها) فمن خفف أراد: ألزمناكم العمل بما فرض فيها، ومن ضدد فعلى وجهين: أحدهما التكثير على معنى: إنا فرضنا فيها فروضا، ويكون على معنى بينا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام والحدود.
(٢) ينظر في الفرض "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧١ "فرض"، "المفردات" ٣٧٨، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٣) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٦٣، وسعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وأبو يعلى في "مسنده" ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٥، وابن أبي حاتم في " تفسيره" ١/ ٣٤٦ وغيرهم.
(٤) ذكر الطبري القول بذلك عن ابن مسعود وابن عمر والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وعمرو بن دينار وقتادة وسعيد بن جبير والسدي والربيع والنخعي والضحاك. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٥ - ٢٦٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٤٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٣.
(٥) ذكر الطبري القول بذلك عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومحمد بن كعب القرظي وطاوس وابنه وعطاء. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٣ - ٢٦٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٤٦، وقد رجح الطبري أن الرفث شامل للقولين، وقال أبو حيان في البحر ٢/ ٨٧: وملخص هذه الأقوال أنها دائرة بين شيء يفسده، وهو الجماع، أو شيء لا يليق لمن كان متلبسا بالحج لحرمة الحج.
(٦) في (م) التعرض.

صفحة رقم 34

ذكره بين أيديهن، فأما اللفظ به من غير مراجعة النساء فلا بأس به، لما روى ابن عباس، كان يحدو بعيرَه وهو محرم ويقول:

وهُنَّ يَمْشِينَ بنا هَمِيسا إن تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِك لَمِيسَا (١)
فقيل له: تَرفث وأنت محرم؟ فقال: إنما الرفث ما قيل عند النساء (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا فُسُوقَ﴾ قال ابن عباس (٣) والأكثرون (٤): الفسوق معاصي الله كلها.
وقال ابن زيد: هو الذبح للأصنام، قُطِعَ ذلك بالنبي - ﷺ - حين حج فعلَّم أُمتَه المناسكَ (٥)، دليله قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
(١) البيت ذكره الفراء في: "معاني القرآن" ٢/ ١٩٢، وقال: تمثل به ابن عباس، وذكره الحربي في "غريب الحديث" ولم ينسبه ٣/ ١١١، وقال شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" ٤/ ١٢٦: لم أعرف قائله وهو رجز كثير الدوران في الكتب. والهمس، والهميس: صوت نقل أخفاف الإبل، والصوت الخفي الذي لا غور له في الكلام، والوطء والأكل وغيرها، ولميس: اسم صاحبته، ويريد بقوله: إن تصدق الطير: أنه زجر الطير فتيامن بمرها، ودلته على قرب اجتماعه بأصحابه وأهله.
(٢) رواه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٨٠٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٣ من طريق أبي حصين بن قيس، وهو القائل لابن عباس: ترفث وأنت محرم؟ ومن طريق أبي العالية الرياحي، ورواه الحاكم ٢/ ٣٠٣ وصححه وعنه البيهقي في "تفسيره" ٥/ ٦٧ من طريق الأعمش.
(٣) رواه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وأبو يعلى ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٧.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، عن عطاء والحسن وطاوس ومجاهد والقرظي وابن جبير وإبراهيم النخعي والربيع وعكرمة. قال ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٩: وعموم المعاصي أولى الأقوال.
(٥) رواه الطبري، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٧ نحوه عن مالك، وينظر: "الموطأ" ١/ ٣٨٩.

صفحة رقم 35

وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] (١).
(والجدال) يقال: من المجادلة، وأصلها (٢): من الجَدْل الذي هو الفَتْل، يقال: زِمَامٌ مَجْدُول وجَدِيْل، أي: مَفْتُول، والجَدِيْل: اسم للزمام لأنه لا يكون إلا مفتولًا، سميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كلَّ واحدٍ من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه (٣).
قال ابن عباس (٤) والمفسرون (٥) في قوله: ﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾: هو أن يجادل صاحبه ويُمَارِيَه حتى يغضبه، نُهِي المحرمُ عن هذا.

(١) ذكر الطبري رحمه الله ٢/ ٢٧٠ قولين آخرين أحدهما: أن الفسوق في هذا الموضع: ما عصي الله به في الإحرام مما نهى عنه فيه من قتل صيد وأخذ شعر، ورواه عن ابن عمر. والثاني: السباب، ورواه عن ابن عمر وابن عباس ومجاهد والسدي وإبراهيم وعطاء بن يسار. وينظر: "النكت والعيون" ١/ ٢٥٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٨.
(٢) في (م) وأصله.
(٣) ينظر في المجادلة: "تهذيب اللغة" ١/ ٥٦٠ - ٥٦١ "جدل"، "المفردات" ٩٧، وذكر الراغب في تسمية المخاصمة مجادلة قولا آخر فقال: "وقيل: الأصل في الجدال: الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة" وذكر السمين في عمدة الحفاظ ١/ ٣٥٩ قولا ثالثا، وهو: أن أصله من القوة، فكان كُلًّا من المتجادلين يقوي قوله ويضعف قول صاحبه.
(٤) رواه عنه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وابن أبي شيبة في "المصنف"، القسم الأول من الجزء الرابع ص ١٥٧، وأبو يعلى ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٨.
(٥) روى الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٨ هذا القول عن عطاء وابن جبير ومجاهد وعمرو بن دينار والحسن والربيع والضحاك والنخعي وعطاء بن يسار وعكرمة والزهري وقتادة.

صفحة رقم 36

وقال مجاهد (١) وأبو عبيدة (٢): معناه: ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة، فأبطل النسيء، واستقام الحج كما هو اليوم، وبطل ما كان يفعله النّسَأة في تأخير الشهور (٣).
قال أهل المعاني: ظاهر الآية نفي ومعناها نهي، أي: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، كقوله عز وجل: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، أي: لا ترتابوا (٤).
واختلف القُرَّاء في هذه الآية، فقرأ (٥) بعضهم: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) مرفوعين منونين، وقرأ بعضُهم منونين غير منونين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال (٦).

(١) رواه الطبري في "تفسيره" عنه من عدة طرق ٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥، ورواه عن السدي وابن عباس، ورجحه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٩، ويرى الزجاج في "تفسيره" ١/ ٢٧٠ أن كلا من القولين صواب.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٧٠.
(٣) ذكر الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٩ أقوالا أخر، فمنهم من قال: الجدال: السباب، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس وقتادة، ومنهم من قال: الجدال: اختلافهم فيمن هو أتم حجا من الحُجاج، وهو مروي عن محمد بن كعب القرظي، ومنهم من قال: الجدال: اختلافهم في اليوم الذي يكون فيه الحج، فنهوا عن ذلك، وهو مروي عن القاسم بن محمد، وقيل: بل اختلافهم في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم، قاله ابن زيد. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣٠، "النكت والعيون" ١/ ٢٥٩، "زاد المسير" ١/ ٢١١، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٧، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨
(٤) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣١، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٧، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٢٨، "المدخل" للحدادي ص ٤٦٥.
(٥) في (ش) وقرأ.
(٦) قرأ ابن كثير المكي وأبو عمرو ويعقوب برفع الثاء والقاف مع التنوين، ووافقهم أبو جعفر، وانفرد بتنوين جدال مع الرفع، والباقون بـ (الفتح) بلا تنوين في الثلاث. ينظر: "السبعة" ص ١٠٨، "النشر" ٢/ ٢١١، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨.

صفحة رقم 37

والأصل في هذا الباب: أن "لا" تَنْصِبُ النكراتِ خاصّةً بلا تنوين، ولا تعمل في المعارف شيئًا؛ لأنها جواب ما لا يكون إلا نكرة، وذلك أنك تسأل فتقول: هل من رجلٍ عندك؟ وهل من غلامٍ لك، فتقول: لا رجلَ عندي، ولا غلامَ لي، فكان الجواب منكّرًا مثل السؤال، والخافض والمخفوض في السؤال بمنزلة شيء واحد لا ينفصل أحدُهما عن صاحبه، فكذلك جعلت (لا) وما عَمِلتْ فيه بمنزلة شيء واحد، وحذفت منه التنوين، كما حذفت من خمسة عشر. ويجوز أن يكون العامل والمعمول فيه بمنزلة شيء واحد، كقولهم: يا ابن أمِّ، فالابن عامل في الأم؛ لأنه مضاف إليها، فجعلا بمنزلة اسم واحد وبُنِيا. هذا وجه النصب بلا (١).
فإن رفعتَ بها، فقلت: لا رجلٌ عندك (٢) ولا ثوبٌ لك، فيكون هذا جوابًا لقول القائل: هل رجل عندك؟ هل (٣) ثوب لك؟ فكما أن هل لا تعمل شيئًا، جعلت لا في الجواب مثلها، فرفعت ما بعدها بالابتداء وإن شئتَ جعلتَ "لا" مشبهةً بـ (ليس) فرفعت بها النكرات؛ لأن بعض العرب تجعلها بمنزلة ليس. من ذلك قوله:
فَأَنَا ابْنُ قَيْس لا بَرَاحُ (٤)

(١) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٢) في (م) عندي.
(٣) في (ش) لا ثوب.
(٤) شطره الأول: "من صد عن نيرانها".
والبيت لسعد بن مالك بن ضبيعة من قيس ثعلبة. ينظر: "الكتاب" لسيبويه ١/ ٥٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠، "الخزانة" ١/ ٢٢٣، "المقتضب" ٤/ ٣٦٠، وفي رواية: من فر نيرانها، أي: نيران الحرب وشدتها، ومعنى: لا براح: أي لا براح لي ولا تحول، ولا أهرب منها، وابن قيس: سمى نفسه باسم جده لشهرته.

صفحة رقم 38

وقول العجاج:

تالله لولا أنْ تَحُشَّ (١) الطُّبَّخُ بيَ الجَحِيمَ حِسِن لا مُسْتَصْرَخُ (٢)
فإن كررت (لا) كقولك: لا درهم ولا دينار، جاز لك فيه (٣) الوجهان: النصبُ من غير تنوين، والرفعُ والتنوين، كالقراءتين في هذه الآية، وجاز أوجهٌ ثلاثة أيضًا يطول ذكرها (٤).
فإن قدرت الاسم بعدها مرفوعًا بالابتداء، جاز في قول سيبويه أن يكون (في الحج) خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء. أما قوله ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ فبين (٥)، وأما قوله ﴿وَلَا جِدَالَ﴾ فإن (لا) مع ﴿جِدَالَ﴾ في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: (في الحج) خبرًا عنها (٦). وإن قدرت لا بمنزلة ليس، لم يجز أن يكون "في الحج" منتصبًا في موضع خبر ليس، لأن الخبر لا ينتصب بلا كما ينتصب (٧) بليس، ولكنك تضمر لقوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ خبرًا، لأن من شأن العرب إذا رفعت ما بعد لا وكانت لا بمنزلة ليس، حذف الخبر. وإضماره كالبيتين الذين أنشدناهما، فقوله: لا براحُ، تقديره: لا براحٌ من هاهنا، ويكون قوله: (في
(١) في (ش) تخش وفي (م) كأنها (يخش).
(٢) البيت في "الديوان" ص ١٤، "أمالي الشجري" ١/ ٢٨٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠.
(٣) في (ش): ولا دينار لك جاز فيه الوجهان.
(٤) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٢٧٤، ٢/ ٣٠٣، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠ - ٢٧١، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٢٠ - ١٢١.
(٥) في (م) فهن.
(٦) من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٨٩ - ٢٩٠، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧١.
(٧) سقطت من (أ)، (م).

صفحة رقم 39

الحج) خبرا عن (لا جدال) (١).
فأما من فتح فقال: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ فحجته أنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا تري أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، فقد نفى جميع هذا الجنس، وإذا رَفَع وَنَوَّنَ كان المنفي الواحدَ منه، ألا ترى أن سيبويه يرى (٢) أنه إذا قال: لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: غلام عندك أم جارية؟ (٣) فالفتح أولى؛ لأن النفي به أعم والمعنى عليه (٤)، ألا ترى أنه لم يُرَخَّص في ضَرْبٍ من الرَّفَثِ والفُسوق، كما لم يُرَخَّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال؛ لتناول النفي جمع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه، إذ كان في حكمه (٥)، ومن رفع فحجته أنه يُعلم من الفحوى (٦) أنه ليس المنفي رفثًا

(١) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩٠ بتصرف، وقال أبو حيان في "البحر" ٢/ ٨٨: قيل: ويجوز أن تكون لا عاملة عمل ليس، فيكون في الحج في موضع نصب، وهذا الوجه جزم به ابن عطية فقال: ولا، في معنى ليس، في قراءة الرفع، وهذا الذي جوزه وجزم به ابن عطية ضعيف؛ لأن إعمال ليس قليل جدا لم أجد منه في لسان إلا ما لا بال له، ثم ذكر أربع شواهد، ثم قال: وهذا كله يحتمل التأويل، وعلى أن يحمل على ظاهره، لا ينتهي من الكثرة بحيث تبنى عليه القواعد فلا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله الذي هو أفصح الكلام وأجله، ويعدل عن الوجه الكثير الفصيح.
(٢) "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢٩٥.
(٣) من قوله: فهو جواب... ساقط من (ش).
(٤) في "الحجة": لأن النفي قد عم.
(٥) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩١، قال العكبري في "التبيان" ص ١٢٤: "الفتح" في الجميع أقوى لما فيه من نفي العموم.
(٦) في (م) (النحوي).

صفحة رقم 40

واحدًا ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحدًا والمعنى المراد به الجميع، خصوصًا في النفي، فإن النفي قد يقع فيه الواحد موضع الجميع، وإن لم يُبْنَ فيه الاسمُ مع لا النافية، نحو قولك: ما (١) رجل في الدار (٢)، هذا الذي ذكرنا يكون وجه القراءتين في قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ ولم يختلفوا في نصب (لا جدال). وذلك أن الرفث والفسوق متفقان في المعنى وهو النهي، كأنه قيل: لا ترفثوا ولا تفسقوا، والجدال مخالف لهما في المعنى؛ لأن معنى لا جدال في الحج أي: الحج في ذي الحجة (٣) على ما حكينا عن مجاهد وأبي عبيدة، فلما كان معنى الأولَيْن نهيًا ومعنى الثالث خبرا، أرادوا الفرق بين اللفظين، لتكون مخالفةُ ما بينهما في اللفظ لمخالفة (٤) ما بينهما في المعنى (٥).

(١) في (م) (لا) وفي (أ) (هل).
(٢) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٣) في (ش) معنى لا جدال النفي أي لا جدال أي الحج في ذي الحجة.
(٤) في (ش) (كمخالفة) وفي (م) (للمخالفة).
(٥) ينظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٣ - ١٢٤، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨ - ٩٠، وقد تعقب أبو حيان في "تفسيره" ٢/ ٩٠ الزمخشري في دعواه أن قراءة أبي عمرو وابن كثير: (لا رفث ولا فسوق)، بالرفع، (لا جدال)، بالنصب، بأنهما حملا الأولين على النهي، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج، فقال: الرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا، وأما أن الرفع يقتضي الابتداء والبناء يقتضي الخبر فلا، ثم قراءة الثلاثة بالرفع، وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم، وقراءة الرفع مرجحة له، فقراءتهما الأولين بالرفع، والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة، إذا لم يتأد ذلك إليهما إلا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب. ثم بيَّن رحمه الله الخلاف في الآية هل يراد بها النفي حقيقة فيكون إخبارا، أو صورتها صورة النفي والمراد به النهي، ورجح الثاني.

صفحة رقم 41

وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ قال أهل المعاني: معناه: يجازيكم الله العالم به، إلا أنه جعل ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ في موضع يجازيه؛ لأن المجازاة إنما تقع من عالم بالشيء، وفيه: حث لهم على فعل الخيرات، وأن الله تعالى ليس بغافل عنهم وعن مجازاتهم، ومتى علم العامل أن الذي يُعْملُ له العملُ يعلم ذلك وليس بغافل عنه كان أحرصَ على عمله (١).
وقوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون: نحن متوكلون، ثم كانوا يسألون الناس، وربما ظلموهم وغصبوهم، فأمرهم الله سبحانه أن يتزودوا (٢)، فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ ما تتبلغون به ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ما تكفُّون به وجوهكم عن السؤال وأنفسكم. وفي هذا حَثٌّ على التزود للآخرة، وتنبيهٌ عليه (٣)، لأن الآية أفادت بيان الزادين، وذلك أن اللفظةَ العامة إذا أفادت فوائد ولم تكن متنافية، فلابد من استفادتها جميعًا، ويكون

(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٧٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٩، "البحر المحيط" ٢/ ٩٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١٨٢.
(٢) وردت هذه القصة عن جمع من السلف، أشهرهم ابن عباس، روى حديثه البخاري (١٥٢٣) كتاب الحج، باب: قوله تعالى. وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وأبو داود (١٧٣٠) كتاب المناسك، باب: التزود في الحج، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٢٤٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٨، والخلال في "الحث على التجارة" ص١٤٧، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٣، عن عكرمة عن ابن عباس، وذكر الطبري الرواية بذلك عن ابن عمر وابن عباس وعكرمة، والنخعي وابن زيد ومجاهد، دون ذكر لقوم معينين، وذكر الرواية بتعيين أهل اليمن عن مجاهد والحسن والربيع وقتادة. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٧٨ - ٢٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣٦.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٧، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٨١، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١٨٢ - ١٨٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٨ - ٣٨٩.

صفحة رقم 42
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية