آيات من القرآن الكريم

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

يمهلوا، أو لما يوفوا أعمالهم إلى الآن، وسيوفونها.
وأما الثالثة: وهي تخفيف (إن) وتشديد (لم) ف (إن) مخففة عاملة كما تقدم، و (لما) بمعنى (إلّا) أو جازمة أيضا أو (إن) نافية بمنزلة (ما) و (ما) بمعنى (إلا) و (كلّا) منصوب بمضمر، أي: وما أرى كلا إلا.
وأما الرابعة: وهي تشديد (إن) وتخفيف (لما) فواضحة ف (إن) هي المشددة عملت عملها.
والكلام في (اللام) و (ما) مثل ما تقدم أولا من الوجوه الأربعة في (اللام) والثلاثة في (ما).
وثمّة قراءات أخر فلتراجع في (السمين) وغيره.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ١١٢]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي في القرآن، و (الكاف) للتشبيه، أو بمعنى (على) وَمَنْ تابَ مَعَكَ أي من الشرك، وهم المؤمنون. وَلا تَطْغَوْا أي تجاوزوا حدود الله إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي فيجازيكم به. قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله والمؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر، وينهى عن الطغيان وهو البغي، فإنه مصرعة، ولو كان على مشرك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ١١٣]
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣)
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي أنفسهم بالشرك والمعاصي أي: لا تسكنوا إليهم. ولا تطمئنوا إليهم. لما يفضي الركون من الرضا بشركهم وتقويتهم، وتوهين جانب الحق. فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ أي أنصار يمنعون عذابه عنكم بركونكم إليهم ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ أي لا تمنعون مما يراد بكم. والقصد تبعيد المؤمنين عن موادّة المشركين المحادّين لله ولرسوله، والثقة بهم، وهم أعظم عقبة

صفحة رقم 134

في الصدّ عن سبيل الله، لأن ذلك ينافي الإيمان.
قيل: الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم، والتهديد عليه، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى أهله، فكيف بمن ينغمس في حمأته؟.
تنبيه:
قال بعض المفسرين اليمانين: الآية صريحة بأن الركون إلى الظّلمة محرّم وكبيرة، لأنه تعالى توعد بالنار. ولكن ما هو الركون الذي أراده تعالى؟ قلنا: في ذلك وجوه؟
فروي عن ابن عباس والأصمّ أن المعنى: لا تميلوا إلى الظلمة في شيء من دينكم.
وقيل: ترضوا بأعمالهم. عن أبي العالية-.
وقيل: تلحقوا بالمشركين- عن قتادة-.
وقيل: تداهنوا الظلمة عن السدّي وابن زيد-.
وقيل: الدخول معهم في ظلمهم، وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم. فأما إذا دخل عليهم لدفع شرهم، فيجوز، لأنه تعالى أمر بالرفق في مخالطة الكفار، والظلمة أولى.
قال الزمخشري: النهي يتناول الانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيّي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وتأمل قوله:
وَلا تَرْكَنُوا فإن الركون هو الميل اليسير. وقوله: إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل: إلى الظالمين.
وحكي أن الموفق صلى خلف الإمام، فقرأ بهذه الآية، فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم؟ انتهى.
قال اليماني: قد وسع العلماء في ذلك وشدّدوا، والحالات تختلف، والأعمال بالنيات، والتفصيل أولى، فإن كانت المخالطة لدفع منكر، أو استعانة عليه، أو رجاء تركهم الظلم، أو استكفاء شرورهم فلا حرج في ذلك، وربما وجب، وإن كان لإيناسهم وإقرارهم فلا. انتهى-.
وأقول: كل هذا مبني على عموم الآية، وأما إن كانت في مشركي مكة،

صفحة رقم 135
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية