
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾ معنى الاسْتقَامَة: هُوَ المداومة على مُوجب الْأَمر وَالنَّهْي. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي بِرِوَايَة أبي مُسلم الْخَولَانِيّ، عَن عمر بن الْخطاب - وَالصَّحِيح عَن أبي ذَر - أَنه قَالَ: " لَو صليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنايا، وصمتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر - وَمَعْنَاهُ: كالأوتاد - ثمَّ كَانَ الِاثْنَان أحب إِلَيْكُم
صفحة رقم 462
من الْوَاحِد لم تبلغوا حد الاسْتقَامَة ". روى هَذَا الْخَبَر جمَاعَة من الزهاد؛ رَوَاهُ حَاتِم الْأَصَم، عَن شَقِيق، عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم، عَن مَالك بن دِينَار، عَن أبي مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف: أَن النَّبِي قَالَ: " اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا، وَلنْ يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن ". وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: الاسْتقَامَة: أَن تستقيم على الْأَمر وَالنَّهْي، وَلَا تروغ روغان الثعالب. وَهَذَا أثر مَشْهُور.
وَقد رُوِيَ غير هَذَا فِي الاسْتقَامَة، يذكر فِي موضعهَا.
وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف أَيْضا: أَن النَّبِي قَالَ: " شيبتني هود " وَفِيه مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: قَالَ هَذَا لِكَثْرَة مَا ذكر الله تَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة من إهلاك الْقُرُون الْمَاضِيَة (و) الْأُمَم السالفة.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَنه قَالَ؛ لقَوْله تَعَالَى ﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾.
وَقَوله: ﴿وَمن تَابَ مَعَك﴾ مَعْنَاهُ: وَمن أسلم مَعَك. وَقَوله: ﴿وَلَا تطغوا﴾ فِيهِ مَعْنيانِ:

﴿وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فتمسكم النَّار وَمَا لكم من دون الله من أَوْلِيَاء ثمَّ لَا تنْصرُونَ (١١٣) ﴾
أَحدهمَا: وَلَا تطغوا فِي الاسْتقَامَة يَعْنِي: لَا تَزِيدُوا على مَا أمرت ونهيت، فتحرموا مَا أحل الله، وتكلفوا أَنفسكُم مَا لم يشرعه الله وَلم يَفْعَله الرَّسُول وَأَصْحَابه.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: الطغيان هُوَ البطر لزِيَادَة النِّعْمَة. وَقيل: الطغيان وَالْبَغي بِمَعْنى وَاحِد.
﴿إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.