آيات من القرآن الكريم

۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ

القيامة، وما فيه من أهوال المحشر والحساب والعقاب. ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ أي ثم يلقون الشقاء المؤيّد، ويعذّبون في نار جهنّم العذاب المؤلم الموجع الشديد الألم، بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله، فيما نسبوه إليه زورا وبهتانا. وهذا توعّد بحقّ.
وفي الآية دليل واضح على تعرّض الكافرين للخسارة المحققة، فإن ما يتوهّمون أنه نجاح في الدنيا بالحصول على المنافع المادّية والمعنوية، والثروة والجاه، لا قيمة ولا وزن له أصلا في مقابلة ما فاتهم في الآخرة من ثواب عظيم ونعيم مقيم في جنان الخلد، فإن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. وهذا يشعرنا بأن وجود الثروة أو المال والجاه عند بعض الجاحدين الكافرين لا يدلّ على حسن الحال، أو ارتقاب النّجاة والسّعادة في عالم الآخرة.
قصة نوح عليه السّلام مع قومه
ليس هناك أناس صبروا على إيذاء أقوامهم، وجاهدوا في سبيل نشر دعوتهم، مثل الرّسل والأنبياء عليهم السّلام، ومن أسبقهم نوح عليه السّلام أبو البشر الثاني، وأول الرّسل أولي العزم، دعا قومه إلى توحيد الإله من غير أجر ولا مقابل، فكذّبوه وآذوه، فأنجاه الله ومن آمن معه، وأغرق المكذّبين بالطّوفان. وهذا ما قصد القرآن الكريم في الآيات التالية:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
«١» «٢» «٣» «٤»

(١) المقام: وقوف الرجل لكلام أو لخطبة أو نحوه. والمقام: إقامته ساكنا في موضع أو بلد.
(٢) التّذكير: الوعظ والزّجر.
(٣) اعزموا وصمموا.
(٤) مبهما، والغمّة: أي الخفي المشكل.

صفحة رقم 992

«١» «٢» «٣» [يونس: ١٠/ ٧١- ٧٣].
ذكر الله تعالى في قرآنه مجموعة من قصص الأنبياء، مواساة للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ليتأسى بهم، ويأنس بسيرتهم، فتهون عليه الشدائد والمكائد، ويتّعظ مشركو مكة بعاقبة المكذّبين رسلهم قبلهم.
وتتعدد أساليب بيان القصة بحسب المناسبات وما يقتضيه المقام، وهذه الآيات وصف سريع لقصة نوح عليه السّلام مع قومه، معناها: أخبر أيها الرسول كفار مكة الذين يكذّبونك بخبر قوم نوح الذي كذّبوه، كيف أهلكهم الله بالغرق، فيعاملون بمثل ما عومل به من تقدّمهم.
اذكر لهم حين قال نوح لقومه: يا قوم إن كان قد شقّ أو عظم عليكم قيامي بوعظكم من كلام ونحوه، وتذكيري إياكم بالوعظ والزجر بالأدلة والبراهين الدّالة على وحدانية الله وعبادته، فإني توكلت على الله وفوّضت أمري إليه ووثقت به، فلا أبالي بعدئذ بما أوذيت، ولا أكفّ عن دعوتي ورسالتي، فاعزموا على ما تريدون من أمر تفعلونه بي، أنتم وشركاؤكم الذين تعبدونهم من دون الله من الأصنام والأوثان.
ولا تجعلوا أمركم الذي تعتزمونه خفيّا مشكلا بل أظهروه لي، وتبصروا فيه، ثم نفّذوا ذلك الأمر بالفعل، ولا تؤخّروني ساعة واحدة عن تنفيذ هذا الحكم المقضي، فإني لا أبالي بكم ولا أخاف منكم لأنكم لستم على شيء، والله عاصمي وحامي ومسلّمي من أذاكم.

(١) اقضوا: أدّوا إلي. [.....]
(٢) لا تمهلوني.
(٣) يخلفون الذين أغرقوا.

صفحة رقم 993

وهذا غاية الثقة بالله والاعتماد عليه، والاستهانة والاستخفاف بمن دونه، فعلى المؤمن أن يعتصم بالله ويثق بوعده، ويعتمد على ربّه، فإن العاقبة في النهاية له.
فإن أعرضتم عن تذكيري، وكذبتم، ولم تؤمنوا برسالتي، ولم تطيعوني فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وعبادته، فإني لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا من أجر أو جزاء، إن ثواب عملي وجزائي على الله ربّي الذي أرسلني إليكم، وأمرني أن أكون من المسلمين، أي المنقادين الطائعين الممتثلين لما أمرت به من الإسلام والخضوع لله عزّ وجلّ. والإسلام بالمعنى العام وهو الانقياد لله وطاعته والالتزام بالدين الحنيف وهو توحيد الله وإطاعته والإعداد للقائه، هو مضمون رسالات الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم.
ثم أخبر الله عن مصير قوم نوح المكذبين، وفي ضمن ذلك الإخبار توعّد للكفار بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وضرب المثال لهم، فحالكم من التكذيب تشبه حال الأقدمين بالنقمة والتعذيب. لقد أصرّوا على تكذيب نوح عليه السّلام، فنجّاه الله هو والمؤمنين به، بحملهم في السفينة التي صنعها بأمر الله، وجعل الله النّاجين مع نوح خلائف أولئك الهالكين في عمارة الأرض وسكناها من بعدهم، وأغرق الله بالطّوفان الذين كذّبوا نوحا، فانظر أيها الرّسول محمد كيف أنجينا المؤمنين، وأهلكنا المكذّبين المنذرين الذين أنذرهم رسولهم بالعذاب قبل وقوعه، فلم يرتدعوا، وأصرّوا على تكذيبه.
وهذه هي العاقبة الوخيمة لكل المصرّين على تكذيب الأنبياء، وهذه هي العاقبة الحميدة للمؤمنين المصدّقين بالله ربّا وبالإسلام دينا وشرعة ومنهاجا.

صفحة رقم 994
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية