تفسير سورة الطارق

حومد

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِالسَّمَاءِ وَنُجُومِهَا الثَّاقِبَةِ الضَّوْءِ، التِي تَظْهَرُ لَيْلاً (الطَّارِقُ هُوَ الذِي يَطْرُقُ البَابَ لَيْلاً، وَسُمِّي النَّجْمُ طَارِقاً لأَنَّهُ يَظهَرُ فِي اللَّيْلِ).
﴿أَدْرَاكَ﴾
(٢) - وَأَيُّ شَيءٍ يُعْلِمُكَ حَقِيقَةَ هَذَا الطَّارِقِ، فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا تُمْكِنُ الإِحَاطَةُ بِهِ.
(٣) - ثُمَّ فَسَّرَ اللهُ تَعَالَى مَعْنَى هَذَا الطَّارِقِ الذِي أَقْسَمَ بِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ الذِي تَثْقُبُ شِدَّةُ ضَوْئِهِ وَلَمَعَانِهِ الظَّلاَمَ.
(٤) - أَقْسَمَ تَعَالَى بالسَّمَاءِ وَالنَّجْمِ الثَّاقِبِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنَ اللهِ، يُدَبِّرُ شُؤُوْنَهَا فِي جَمِيعِ أَطْوَارِ حَيَاتِهَا، وَهَذَا الحَافِظُ المُدَبِّرُ هُوَ رَبُّهَا، خَالِقُهَا وَمُصَرِّفُ أُمُورِهَا فِي مَعَاشِهَا وَحَيَاتِهَا وَمََعَادِهَا.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَقُصُودَ بِالحَافِظِ هُنَا المَلَكُ المٌكَلَّفُ بِحِفْظِ الإِنْسَانِ وَمُرَاقَبَتِهِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾.
﴿الإنسان﴾
(٥) - يَلْفِتُ اللهُ تَعَالَى نَظَرَ الإِنْسَانِ إِلَى مَبْدَأ خَلْقِهِ لِيَتَّضِحَ لَهُ قُدْرَةُ خَالِقِهِ وَوَاهِبِهِ الحَيَاةَ وَالرِّزْقَ، لِيَعْرِفَ فَضْلَهُ وَمِنَنَهُ عَلَيْهِ، فَلاَ يَكْفُرُ بِرَبِّهِ، وَلاَ يُنْكِرُ البَعْثَ وَالمَعَادَ، لأَنَّ مَنْ خَلَقَهُ مِنَ النُّطْفَةِ المَهِينَةِ، قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ، وَلِيَعْرِفَ الإِنْسَانُ ضَعْفَهُ وَتَفَاهَةَ أَصْلِهِ فَلاَ يَطْغَى وَلاَ يَتَجَبَّرُ.
(٦) - ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مُتَدَفِّقٍ.
دَافِقٍ - مَصْبُوبٍ بِدَفْعٍ.
(٧) - يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجْلِ وَيَسْتَقِرُّ فِي رَحِمِ الأُنْثَى.
(والصُّلْبُ أَسْفَلُ الظَّهْرِ، وَالتَّرَائِبُ هِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ).
(وَقَالَ الأُسْتَاذُ المَرَاغِي فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّ العِلْمَ الحَدِيثَ أَثْبَتَ أَنَّ الخِصْيَةَ وَالمَبْيضَ يَكُونَانِ فِي بَدْءِ تَكُوُّنِ الجَنِينِ مَا بَيْنَ مُنْتَصَفِ العَمُودِ الفِقرِيِّ مُقَابِلَ الضُّلُوعِ فِي بَدْءِ أَيَّامِ الحَملِ).
الصُّلْبِ - أَسْفَلِ عِظَامِ الظَّهْرِ.
التَّرَائِبِ - عِظَامِ الرَّقَبَةِ وَالصَّدْرِ.
(٨) - وَالذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ مَاءٍ دافِقٍ ابْتِدَاءً قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِ وَرَدِّهِ حَيّاً بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ وَيَبْلَى.
رَجْعِهِ - إِعَادَةِ خَلْقِ الإِنْسَانِ بَعْدَ فَنَائِهِ.
﴿السرآئر﴾
(٩) - وَهُوَ تَعَالَى القَادِرُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الإِنْسَانَ حِيّاً فِي يَوْمِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ الذِي تَنْكَشِفُ فِيهِ السَّرَائِرُ، وَتَتَّضِحُ الضَّمَائِرُ، فَلاَ يَبْقَى فِي سَرِيرَةٍ سِرٌّ.
تُبْلَى السَّرَائِرُ - تُكْشَفُ مَكْنُونَاتُ القُلُوبِ.
(١٠) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ لاَ تَكُونُ لِلإِنْسَانِ قُوَّةٌ يُدَافِعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَجْدُ لَهُ نَاصِراً يَنْصُرُهُ مِنْ حِسَابِ اللهِ وَعِقَابِهِ.
(١١) - قَسَماً بِالسَّمَاءِ التِي تُنْزِلُ المَطَرَ.
(والرَّجْعُ هُوَ إِعَادَةُ الشَّيْءِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلاً، وَيُرَادُ بِهِ هُنَا المَطَرُ لأَنَّهُ يُعَادُ إِلَى الأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ).
(وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ المَطَرَ يَنْشَأُ مِمَّا يَتَصَاعَدُ مِنَ الأَرْضِ مِنْ بُخَارٍ).
(١٢) - وَقَسَماً بِالأَرْضِ التِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا المَاءُ مِنَ السَّمَاءِ فَتَنْشَقُّ وَتَتَصَدَّعُ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا النَّبَاتُ.
الصَّدْعِ - النَّبَاتِ الذِي تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْهُ.
(١٣) - بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ، قَال إِنَّ هَذَا القَوْلَ، الذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ، هُوَ قَوْلٌ حَقٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَقَاطِعٌ لِلْجَدَلِ.
فَصْلٌ - فَاصِلٌ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ.
(١٤) - وَهُوَ قَوْلٌ جِدٌّ لاَ هَزلَ فِيهِ، فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ تَخْضَعَ لَهُ الرِّقَابُ، وَتَذِلَّ جِبَاهُ العُتَاةِ.
(١٥) - إِنَّ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ المُجْرِمِينَ يَمْكُرُونَ بِالنَّاسِ وَيَكِيدُونَ لَهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ إِيَاهُمْ إِلَى مُخَالفَةِ القُرْآنِ بِإِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ كَقَوْلِهِمْ: (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتَ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدِّهْرُ).
(١٦) - وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ يُقَابِلُ كَيْدَهُمْ بِكَيْدٍ يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ، لِيُظْهِرَ الحَقَّ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ، وَلِيَدْفَعَ مَا جَاؤُوا بِهِ مِنَ البَاطِلِ، وَلِيَعْلَمَ الخَلْقُ بِهَذا مَنْ يَكُونُ الغَالِبَ أَهُوَ اللهُ أَمِ العَبْدُ الكَافِرُ؟ إِنَّ اللهَ هُوَ الغَالِبُ لأَنَّ العَبْدَ أَضْعَفُ وَأَحْقَرُ مِنَ أَنْ يُغَالِبَ اللهَ القَوِيَّ العَلِيمَ فِي كَيْدِهِ.
﴿الكافرين﴾
(١٧) - ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: سِرْ فِي دَعْوَتِكَ، وَلاَ تَسْتَعْجِلْ بِالعَذَابِ فَإِنَّنَا سَنُمْهِلُهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً حَتَّى إِذَا أَخَذْنَاهُمْ، أَخَذْنَاهُمْ بِحَقٍّ. وَعَادَ تَعَالَى فَأَكَّدَ طَلَبَهُ مِنْ رَسُولِهِ إِمْهَالَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّنَا سَنُمْهِلُهُمْ قَلِيلاً، وَسَتَرى مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ.
رُوِيداً - قَلِيلاً أَوْ قَرِيباً.
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).